على إثر التعطيل الحاصل صلب المجلس الأعلى للقضاء، الذي عجز منذ قرابة 4 أشهر من انتخاب أعضائه على عقد أولى جلساته ومباشرة أعماله وذلك لعديد الأسباب. هذه الأسباب تتمثل بالأساس في منح اختصاص الدعوة لعقد أول جلسة لشخص وحيد وهو رئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والذي تمت إحالته على التقاعد. أما السبب الثاني فينحصر في الفصل 36 من القانون الذي يوضح النصاب القانوني باشتراط حضور نصف الأعضاء في الجلسة الثانية.
ترحيل الأزمة إلى مجلس نواب الشعب
هذه الصعوبات وعجز المجلس الأعلى للقضاء عن الانعقاد والانطلاق في أعماله، أجبر الحكومة على العودة من جديد إلى مجلس نواب الشعب وترحيل الصعوبات إلى لجنة التشريع العام، التي نظرت في القانون حين كان مشروعا وكانت مسؤولة عن صياغته. ترحيل الصعوبات جاء في شكل مقترح قانون أساسي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون من أجل تسهيل انعقاد أول اجتماع للمجلس القضائي من خلال تعويض ضرورة انعقاد نصف الأعضاء بالثلث، بالإضافة إلى كيفية انتخاب الرئيس ونائبه في صورة وجود شغور، برئيس مؤقت إلى حين سد الشغور. كما حملت المقترحات المسؤولية لرئيس مجلس نواب الشعب للدعوة إلى انعقاد المجلس القضائي في أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، مع التنصيص على عدم الطعن في هذه الدعوة بأي وجه من الأوجه ولو بدعوى تجاوز السلطة.
لجنة التشريع العام لم تنطلق مباشرة في مناقشة هذا المقترح، بل سعت إلى الاستماع إلى كافة الأطراف ومن بينها وزير العدل ورئيسة جمعية القضاة التونسيين ورئيس نقابة القضاة التونسيين ورئيس اتحاد القضاة الإداريين من أجل التعرف على كافة المقترحات والتوافقات حتى لا يسقط هذا القانون مرة أخرى صلب التجاذبات السياسية.
الهدف تسريع تركيز المجلس القضائي
جلسات الاستماع صلب اللجنة يوم أمس، أرجعت الذاكرة إلى الجلسات السابقة في السنة الأولى والثانية من المدة النيابية، حيث شهدت حضور الأعضاء السابقين ورئيس اللجنة الأسبق عبادة الكافي من أجل التدخل في هذا الموضوع وهو ما أحدث جدلا نتيجة اختلاف الآراء بين أعضاء اللجنة من مختلف الكتل البرلمانية. وزير العدل غازي الجريبي قدم كافة الحجج اللازمة لإقناع أعضاء اللجنة بضرورة التسريع في تركيز المجلس الأعلى للقضاء، حيث أكد أنه كان من المفروض أن يتم تركيز المجلس مباشرة بعد الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات، إلا أن اختلافات التأويلات بين القضاة خلقت أزمة حالت دون انعقاد أولى جلسات المجلس القضائي.
لكن في المقابل، فقد شهدت هذه المبادرة عديد الانتقادات من قبل بعض الأطراف أبرزها جمعية القضاة التي رفضت تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية وذلك على إثر جلسة استماع إلى رئيسة الجمعية روضة القرافي. لكن وزير العدل غازي الجريبي اعتبر أن الحكومة كان بودها عدم التدخل، وأن يجد القضاة التفاهم فيما بينهم، لكن ومع انسداد كافة الحلول وتواصل تعمق الأزمة فإن الحكومة لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي فجاءت هذه المبادرة من أجل حلحلة الصعوبات وتذليلها، لأن هذا التعطيل انعكس بدوره على تركيز المحكمة الدستورية.
من جهة أخرى، تطرق وزير العدل إلى مضمون مقترح القانون من أجل توضيح أسباب سنها، حيث اعتبر أن إعطاء حق الدعوة إلى رئيس مجلس نواب الشعب من أجل تسهيل الانعقاد باعتبار أن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بصفته أيضا رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي أحيل على التقاعد، في حين أن رئيس المجلس بعيد عن التجاذبات ولا يمكنه التدخل في أعمال المجلس القضائي ولا المشاركة فيها. ومن أجل تسهيل عملية التصويت وعدم تعطيل سير المؤسسات، تم التنصيص على أنه في حالة عدم توفر النصاب القانوني أي الثلثين وإذا استحال ذلك يتم المرور إلى الثلث وفي مرحلة أخيرة بحضور من حضر. هذه التوضيحات لاقت مساندة من قبل ممثلي اتحاد القضاة الإداريين الذين اعتبروا أنه يجب المصادقة على هذا المقترح للخروج من الأزمة نهائيا.
إمكانية السحب واردة
هذا المقترح لن يكون نهائيا حسب وزير العدل، حيث أنه في حالة وجود اتفاق جديد بين القضاة وانعقاد الجلسة الأولى للمجلس القضائي، قبل مرور مقترح القانون على أنظار الجلسة العامة، فإن الحكومة مستعدة لسحبه، وهو مبدأ أيده أغلب أعضاء اللجنة. مواقف أعضاء لجنة التشريع العام لم تكن واضحة، في ظل الضبابية والتخوفات من التدخل في شؤون القضاء، بالرغم من وجود بعض المواقف الداعية إلى عدم إدخال رئيس المجلس في مثل هذه الصراعات. لجنة التشريع العام تحاول جاهدة التعامل مع مثل هذه المبادرة بحذر شديد، وهو ما حتم عليها الاستماع إلى كافة الأطراف المتداخلة في القطاع القضائي، من أجل الخروج بموقف واضح ونهائي.
المعارضة ترفض المقترح
من جهة أخرى، أبدى نواب المعارضة صلب اللجنة تخوفهم من هذه المبادرة التي اعتبروها التفافا على مسار استقلالية المجلس، ومحاولة السيطرة على الشأن القضائي وحصره في يد السلطة التنفيذية، خصوصا وأن الانسداد تسببت فيه السلطة التنفيذية التي تريد الانتصار لجهة معينة على حساب بقية الأطراف. واعتبروا أن المبادرة التي تقدم بها الرئيس الأول للمحكمة الإدارية ورئيس المحكمة العقارية ووكيل الرئيس الأول لدائرة المحاسبات، تبدو معقولة جدا. هذا وتتمثل المبادرة في تولي رئيس الحكومة إصدار أوامر التسمية المتعلقة بالترشيحات التي قدمتها الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، وفي حال عدم حصول ذلك في أجل أسبوع يتولى رئيس الحكومة إحالة الترشيحات إلى رئيس الجمهورية. كما تنص على أن يجتمع أعضاء مجلس القضاء المالي لسدّ الشغور في خطة الرئيس الأول لدائرة المحاسبات في أجل أقصاه أسبوع من تاريخ إمضاء أوامر التسمية ، وعلى ان يتولى الرئيس الأول لمحكمة التعقيب في أجل لا يتجاوز ثلاثة أيام من تاريخ نشر أمر تسمية الرئيس الأول لدائرة المحاسبات دعوة المجلس الأعلى للقضاء إلى الانعقاد.
ومن المنتظر أن تواصل لجنة التشريع العام سلسلة الاجتماعات إلى غاية اليوم قبل الانطلاق في مناقشة فصول مشروع القانون.