واصلت لجنة التشريع العام النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة وذلك بعد مناقشة الفصول الأولى من مشروع القانون بحضور جهة المبادرة.
وقد عملت اللجنة على تضمين بعض الأحكام ضمن الفصل 3، من خلال التنصيص على ان الهيئات الدستورية تعتبر صنفا جديدا من المؤسسات العمومية تختلف عن بقية المؤسسات العمومية الإدارية الموجودة وتتمتع بالشخصية المعنوية. كما تم منح الهيئات حق التعاقد وحق التملك وحق التقاضي، على أن يمثل الهيئة رئيسها وعند التعذر نائبه، كما يمكن للرئيس تكليف احد أعضاء مجلس الهيئة او مدير الجهاز الإداري بتمثيلها.
تأجيل النظر في بعض الفصول
في المقابل، صادقت اللجنة على الفصل 4 بصيغته الأصلية والمتعلق بتمتيع هذه الهيئات بالاستقلالية المالية والإدارية طبق ما نص عليه الدستور وعدم إخضاعها لآي سلطة رئاسية او سلطة إشراف عند ممارستها لمهامها وتحجير التدخل في عملها او إعطائها تعليمات. في حين تم تأجيل التصويت على الفصول 6 و8 لمزيد التشاور مع الكتل بخصوص صياغتهما، بعد اختلاف الآراء حول الفصل 6 و5 المتعلقين بقواعد التسيير والتنظيم، حيث اعتبر أعضاء اللجنة انه من الأفضل اقتصار الفصل 5 على الفقرة الأولى منه المتعلقة بتركيبة الهيئات الدستورية، وإدراج الفقرة الثانية منه صلب الفصل 6 المتعلق بتنظيم المجلس وطريقة انتخابه. كما تم التصويت على الفصل 7 في صيغته الأصلية المتعلق بضبط شروط الترشيح لعضوية مجلس الهيئة الدستورية ومنها عدم الجمع بين العضوية بالمجلس مع صفة عضو في الحكومة أو عضو في مجلس منتخب أو كذلك مع وظيفة في مؤسسة عمومية او أي نشاط مهني.
الحفاظ على أغلبية الثلثين والتناصف
من جهة أخرى، عادت اللجنة خلال اجتماعها ليلة أول أمس إلى الفصل 6، حيث انحصر النقاش بالأساس في الأغلبية اللازمة لانتخاب أعضاء الهيئة من قبل مجلس نواب الشعب. وانقسمت الآراء بين من يرى التخفيض منها من الثلثين إلى ثلاثة أخماس كنواب التيار الديمقراطي ونداء نداء تونس، وبين من يرى أنه يجب الحفاظ على الثلثين.في حين اعتبر رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق أن أغلبية الثلثين ضرورية للابتعاد عن المحاصصة الحزبية ولتكريس التوافق حول المترشحين مما يضمن استقلالية هذا العضو. وبعد جدال واسع حول هذا الفصل تم التصويت مع اعتماد مبدأ الثلثين لكن في المقابل، فإن الإشكال الحقيقي الذي تعرضت له اللجنة في هذا الفصل يتمثل في كيفية ضمان مبدأ التناصف، الذي قد يعيق في بعض الأحيان التوافق حسب النائب نعمان العش. في حين اعتبرت النائبة عن حركة النهضة يامينة الزغلامي أن التناصف مبدأ دستوري يجب احترامه، ليتم في الأخير التصويت مع مبدأ التناصف.
التسمية من قبل البرلمان
فيما يخص الفقرة الثانية من الفصل المتعلقة بـ «يسمى أعضاء المجلس بأمر رئاسي ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية»، فقد عبّرت ممثلة وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، نجلاء براهم، بأن تسمية الأعضاء تعد شكلية، باعتبار أن المجلس ينتخب الأعضاء، والإعلان عن ذلك يتم عبر قرار رئاسي يتم نشره بالرائد الرسمي. لكن نواب الجبهة الشعبية اعتبروا أن التسمية يجب أن لا تكون من قبل رئيس الجمههورية، على أن يكون أداء اليمين كذلك أمام الهيكل الذي انتخب الأعضاء أي مجلس نواب الشعب، خصوصا وأن مؤسسة الرئاسة يترأسها رئيس منتخب مباشرة من التونسيين وبالتالي شرعيته مساوية لشرعية المجلس. وفي الأخير تم قبول هذا المقترح لتكون الفقرة الثانية كالآتي «يسمى أعضاء المجلس المنتخبون بأمر رئاسي ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. يؤدي أعضاء المجلس المنتخبون اليمين أمام رئيس الجمهورية.» وبعد التصويت على الفصل 8 في صيغته الأصلية المتعلق بالأجور، فقد تم تعديل الفصل 9 المتعلق بواجبات أعضاء الهيئات الدستورية، من خلال التنصيص على أن واجب النزاهة والتحفظ والتصريح على المكاسب واحترام مبدأ عدم تضارب المصالح. وتوقفت اللجنة في حدود الفصل 10 المتعلق بالحصانة، المنتظر الحسم فيه خلال الجلسة القادمة.
لمحة حول مشروع القانون
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون محال على أنظار لجنة التشريع العام منذ 20 ماي 2016 ويهدف بالأساس إلى تنظيم صنف الهيئات الدستورية المحدث بمقتضى الباب السادس من الدستور وضبط الآثار القانونية المترتبة عن الطبيعة المستقلة المسندة لها. كما يضبط المبادئ والقواعد المشتركة المنطبقة عليها. وفي ظل الأحكام المشتركة للهيئات الدستورية حسب الفصل 125 من الدستور، والمتمثلة في خمس هيئات دستورية مستقلة وهي كل من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
هذا وقد جاء مشروع القانون من أجل توحيد الأطر القانونية للهيئات الدستورية، حيث يجب تعريف مفاهيم الاستقلالية واستخلاص النتائج القانونية المترتبة عنها خصوصا وأنها تابعة للدولة وليست بمستقلة عن السلطة القضائية على غرار أنها تخضع لرقابة القضاء الإداري في ما يتعلق بمشروعية قراراتها ولرقابة القضاء العدلي في علاقتها بالغير. وبما أن الهيئات الدستورية المستقلة تعمل بالاعتماد على المال العام فإنها خاضعة بالأساس إلى رقابة محكمة المحاسبات.