إلى أن سبب فشله يعود إلى اختيارات قادته وعدم فهمه لرسالة ناخبيه، يليه التيار الديمقراطي الذي لم يكن تقييمه لتجربته، سوى عرض لمواقفه وتنبؤاته التي اعتبر أنها صدقت، ثم تأتي الجلسة الثالثة المخصّصة للتحالف الديمقراطي، والذي لم يتوان خلالها، عن كشف كل أوراقه ووضع تجربة الثلاث سنوات في كفة التقييم والنقد الذاتي العلني.
التحالف الديمقراطي أعلن في وثيقته التأسيسية أنه يسعى إلى بناء حزب سياسي فاعل ومنحاز إلى الثورة وملتزم بتحقيق أهدافها، يتبنى مبادئ الحرية والمواطنة والعدالة الاجتماعية، ويعتمد توجها ديمقراطيا اجتماعيا، حزب له مقومات القوة التي تضمن له التأثير في الحياة السياسية الوطنية بما يساهم في إعادة تشكيل الخارطة الحزبية ويساعد في بناء ديمقراطية تشاركية وإرساء دعائم الحكم الرشيد، إلا أن ما أعلنه في هذه الوثيقة، لم يكن واضحا من الناحية العملية، فمن هنات التحالف حسب أمينه العام محمد الحامدي، عدم وضوح الخط السياسي في إطار العائلة الديمقراطية الاجتماعية التي كانت مشتتة، وغير قادرة على توجيه بوصلتها السياسية للقضايا الحقيقية، فتموقعها السياسي لم يكن واضحا حتى للمناضلين أنفسهم، ولم يكن لها خيارا آنذاك سوى «الانحياز يمينا أو يمينا».
أسباب فشل التحالف
تجربة التحالف الديمقراطي لم تتجاوز السنة بعد في انتخابات 2014، مدّة وجيزة اعتبره الحامدي أنها حالت دون توضيح صورة الحزب وهويته، وإبراز جدّية التموقع الثالث الذي كان بإمكانه كسر الاستقطاب الثنائي خلال تلك الانتخابات، مشيرا إلى أن خطاب التحالف كان دائما يراعي مصلحة البلاد دون القدرة على تمييزه كخط ثالث.
الحامدي اعتبر أن مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية كانت من الأخطاء التكتيكية، فالإعلام آنذاك كان مركزا على الانتخابات الرئاسية، فتوهّم التحالف أن بدخوله هذه الانتخابات، بصورة شخص الأمين العام سيخدمه ويساهم في نجاحه في الانتخابات التشريعية، التي دخلها كحزب موجود في كل الجهات غير أنه مفكّك، وبموارد مالية وبشرية شحيحة.
وأثناء مداخلته، قال القيادي في التحالف الديمقراطي فراس جبلون، إن سبب فشل العائلة الاجتماعية الديمقراطية بصفة عامة، يعود أساسا إلى تشرذمها، كما أن التسرّع في أخذ القرارات والتسيير، ساهم بشكل خاص في فشل التحالف في الانتخابات الأخيرة، هذه النتيجة تفرض عليه بالتالي ضرورة البناء من جديد على قاعدة ثابتة، وبشكل عصري يقطع مع التقاليد في التسيير وأخذ القرار.
مواقف طُمست أو أنها لم تكن واضحة..
وفي إطار نقد تجربة حزبه، أشار محمد الحامدي إلى بعض المواقف والمقترحات التي اعتبر أنها طُمست، من ذلك مبادرة التحالف الديمقراطي في 26 جويلية 2013 لتصحيح المسار الديمقراطي، والتي قال إنها كانت تمثل جوهر الحوار الوطني ومضمونه السياسي، مبادرة بـ 4 نقاط طالب فيها التحالف باستقالة الحكومة وتعويضها بحكومة كفاءات مستقلّة، وتكوين هيئة إسناد الحكومة، والذي نُفّذ حرفيا حسب الحامدي، في خارطة الطريق التي سطّرها الرباعي الراعي للحوار، مضيفا أن دور التحالف في التوافقات كان رئيسيا، لكنه لايكفي لعدم امتلاكه القوة السياسية والإعلامية للتسويق والترويج.
وخلال تعليقه على النقد الذاتي للتحالف الديمقراطي، أكّد زميلنا زياد كريشان في مداخلته، أهمية الوقوف عند النشأة في التقييم الذاتي، أي الانشقاق عن الحزب الجمهوري، والتوجّه نحو تأسيس حزب آخر ينتمي إلى نفس العائلة، فالنزوع نحو الوحدة يجب أن لا ينسى بذور الفرقة، كما أن المطروح اليوم على العائلة الاجتماعية الديمقراطية هو تحديد هويتها الفلسفية وتموقعها السياسي، فهي لم تحدّد بعد هويتها ومازالت هذه الهوية «الاجتماعي الديمقراطي» غربية وغير واضحة في تونس، كما أن تموقعها السياسي لم يبرح منزلة مابين الشرعية والتوافق الذي يتجاوز الشرعية.
كما رجّح الزميل زياد كريشان أن سبب فشل التحالف الديمقراطي يعود إلى طغيان مشروع الفردي على الجماعي في الممارسات الحزبية، ورغم أن التحالف وجد حظه في وسائل الإعلام، إلا أنه لم يستغل هذه الفرصة بما يخدمه.
أما بالنسبة إلى مسألة الاستقطاب الثنائي، قال كريشان إن 65 % من أصوات الناخبين توزّعت بين الحزب الأول والثاني في الانتخابات، وإن أكثر من ثلث أصوات الناخبين قد تشتتت ولم تكن من نصيب العائلة الاجتماعية الديمقراطية هو مايمكن تفسيره بأن هذه العائلة محاطة بجملة من التخوم غير الواضحة للناخب، باعتبار أن مكوّناتها الرئيسية تتمثّل في جزء من الترويكا وآخر من المعارضة، ووهم الخط الثالث.
معهد تونس للسياسة الذي نظّم هذا الحوار وقدّم فرصة للأحزاب المشاركة لتتناول مسيرتها بالنقد، ساهم في تشريك المجتمع المدني في هذا الحوار المفتوح، لإرساء ثقافة النقد البنّاء الذي يساهم بدوره في التصحيح والتجاوز، كما تعتبر هذه الفرصة مناسبة لتشخيص مجريات الواقع السياسي ومآلات تطوّره.