ولو أن نيل هذه الثقة يبدو أمرا محسوما فإن تصويت عدد هام من نواب الشعب الذين سيمنحون ثقتهم في ثاني حكومة للجمهورية الثّانية، يبقى مهمّا لما فيه من دلالات في دعم خيارات الشاهد «المزكاة» فعليا من رئيس الجمهورية. وهي تزكية تعتبر مسايرة «منطقية» لاختيار السيد محمّد الباجي قائد السبسي، الذي اعتبر الشاهد هو الشخصية الأقدر على معنى مقتضيات الدستور، لتكوين ثاني حكومة في فترة رئاسته، و كان من أعضاء حزب نداء تونس، وكان محل رضاء الأطراف التي شاركت في الحوار الوطني.
لذلك فإن منطلق توقع نيل الثقة يعود إلى القبول المبدئي للأحزاب الممثلة في مجلس نواب الشعب التي انخرطت في مسار المبادرة الرئاسية من أجل تشكيل «حكومة وحدة وطنية»، لمقترح تعيين الشاهد وقبول التشاور معه في اختيار التشكيلة الحكومية، ثم المساهمة في وضع القائمة الموسعة من المؤهلين للحصول على الحقائب «الحكومية».
بما أن «العتاب» لا يفسد للود قضية ،(و لعلّ التذمّر كذلك)، وبما أن كل طرف منخرط في تمشي المبادرة الرئاسية، وجد ما كان يصبو إليه و لو بصورة نسبية، فإن خيار عدم منح الثقة، لن يخدم الطرف الممضي على وثيقة قرطاج، ويجعله يناقض اختياره، ويكشف عدم استيعابه لشعار الوحدة الوطنية الّذي قبل الإنخراط في تبنيه، وهو ما قد لا يحقق له كسبا حتّى داخل حزبه، كما حصل لرئيس الحزب الوطني الحر.
إن حزب نداء تونس وجد صدى لمطلبه القديم الجديد في أن يتولّى رئاسة الحكومة أحد أبناء الحزب وبذلك تمّ سحب البساط من تحت أرجل الّذين كانوا يخفون طموحهم وراء إشهار رفضهم الدّائم للحبيب الصيد، ومنح رئيس الجمهورية فرصة تعيين الشخصية التي تستجيب لانتظاراته ورؤيته في ممارسة السلطة. بالتّالي يصعب التكهن بعدم تصويت الندائيين على منح الثقة لحكومة الشاهد.
في جانب الطرف المؤثر في عملية التصويت حزب النهضة، ففي تعيين الشاهد تخلّص من عبء اعتباره داعما قويا لحكومة الصيد، وأخذ نصيبا فرض فيه جانبا هامّا ممّا كان يرغب فيه. وفضلا على ذلك أصبح يراهن على نتائج أعمال الحكومة الجديدة، بحيث سيجد نفسه في موقع مريح في صورة الفشل أو عدم تحقيق المنتظر منها إن أردنا تجنب كلمة الفشل، ولن يجد حرجا في تحميل المسؤولية لـ«غريمه» الإنتخابي المباشر، واستغلال ذلك لفائدته في الإستحقاقات القادمة.
أما بقية التشكلات الممثّلة في مجلس نواب الشعب وامتداداتها، فإن قبولها الإنخراط في المبادرة الرئاسية وتوقيعها على وثيقة قرطاج، سيجعلها إزاء إلتزام معنوي تجاه الشاهد، مهما كانت درجة رضاها على ما تمّ منحه لها، وبالتّالي ستكون وراء الدعوة إلى التصويت لفائدة منح الثقة للحكومة الجديدة، لتراهن في الحقيقة على المردود الإيجابي فقط، كي تستفيد من قبولها الإنضمام إلى التشكيلة الجديدة.
في الجانب المعارض سيكون التصويت ضد منح الثقة ، وهي بالتالي ستراهن على الفشل فقط، كي تثبت صحّة اختياراتها، في حين سيراهن المحتفظون بأصواتهم على النجاح والفشل في آن واحد، وقد يتغيّر موقف بعضهم باعتبار دعمهم لحاملي بعض الحقائب كما قد يكون الحال بالنسبة لبعض المنتمين لكتلة «الحرّة».
هذه التوجهات قد تبرز اليوم من ناحية التصويت، غير أنه في استعراض ملامح برنامج رئيس الحكومة المكلّف، سيكون الشاهد أمام أول امتحان شفوي أمام النواب والرأي العام أيضا. وبالتالي فإنه سيكون مطالبا بالإقناع وكسب الانطباع الإيجابي الأوّلي الذي سيكون مهمّا في مسيرته المستقبلية. ولو أن الحوارات التي باشرها مع ممثلي كل الاطراف والشخصيات الوطنية، قد اكسبته شيئا من الدربة، فإن خطابه يبقى على غاية من الأهمية لكسب السامع والمشاهد، وهو أمر قد لا يكون بنفس الأهمية في المستقبل، لأن ما ينتظره في المستقبل هو العمل فقط وتحقيق النتائج الإيجابية الّتي ينتظرها الشعب منه ومن فريق حكومته.