إلى إستهداف أمن تونس وسيادتها، لتحقيق أهداف تعدّ تونس حلقة من حلقاتها.
لن ننبش في ما تناولته « المغرب» عشرات المرّات للتنبيه إلى أحلام «الخلافة» أو إقامة «الإمارات» وشرح متون الخطب وخفايا الشعارات، وصلت حدّ التحوّل إلى معاقل التهريب ونقل تفاصيل كيفية شراء الأسلحة مع تقديم الدّليل القاطع على ذلك ... لن نعود إلى كل ذلك وإلى ردود فعل البعض عليه ، للإعتقاد بأن مجرّد التلميح يكفي لهدهدة الذاكرة ، فيستعيد التونسيون، بدايات رسم قوى التشدّد والعنف والإرهاب، لملامح المجتمع الّذي أرادوا «تبشير» الأمّة به.
التونسيون.. كل التونسيين هم المستهدفون، وهي الحقيقة الّتي كشفتها أيادي الإرهاب أينما ضربت، وكان أهالي بنقردان، شهود عيان على الحقد الأعمى الّذي يسيطر على عقيدة «الدواعش» ومن يقف وراءهم .
إن مخازن وحُفَرَ الذخيرة والأسلحـــة المدفونة في أراضـي بن قردان وفي غيرها، تقيم الدليل على أن حلم «الغزوات» تحوّل إلى خطّة واضحة المعالم، تستهدف كل التونسيين، الأمر الّذي يدعو كل مكونات المجتمع السياسي والمدني إلى التجنّد لمجابهة الإرهاب بكل أشكاله و تجلياته . كما يدعو بعض المغرمين بالمنابر إلى الكف عن استعراض تحليل الدّوافع و الأعذار، وكذلك الكف عن اتخاذ موقف المتفرّج بدل التحوّل إلى فاعل مؤثر في المعارك المنتظرة التّي تنتظر التونسيين.
إن ما تكبدته قوى الإرهاب من هزائم ، يدفع إلى توقّع ردود فعل منظمة أو يائسة، في أي موقع، خاّصة و أن عدد الّذين تمّ القضاء عليهم أو إيقافهم يقلّ بكثير عن الّذين يتوقّع أنهم قادوا هجوم بن قردان أو الّذين يتوزعون في شكل خلايا نائمة في مختلف المواقع .
لقد سبق التوّقع بعد الضربة الجوية لصبراتة بأن تهديدات الجماعات الإرهابية لإستهداف أمن تونس وإستقرارها، ليس مجرّد تصريحات لبث الرعب، وإنّما يستند إلى مخطّطات ممنهجة ومنظّمة تحرّكها نوازع عدائية خطيرة تخفي مصالح أطراف عديدة. وقد صح التوقع بأن الجماعات الإرهابية ستسعى إلى تنفيذ ضربات في محاولة لفك الحصار المنتظر عنها، وتشتيت أنظار وجهود القوى العسكرية والأمنية بعد عملية صبراتة، لوضع موطىء قدم جديد على أرض جديدة بعد أن خسرت مواقع في بلدان أخرى . و يبدو أن الضربة الجوية الأمريكية الّتي كشفت جزءا من المخطّط، عجّلت بتنفيذ هجوم بنقردان، ولكنّه لم يكن مفاجأة للإستخبارات، وهو ما سهّل مجابهته ودحر جزء هام منه بنجاح.
لقد حقق الجيش والأمن التونسيَيْن إلى حد الآن عدّة انتصارات، بعضها استباقي وآخرها في المجابهة المباشرة، ولكن ما يمكن توقّعه، أن تشديد ملاحقة العناصر الفارّة والمتخفية ومزيد العمل على كشف الخلايا النّائمة، يحتاج إلى مزيد الحيطة والحذر وإعداد العدّة لمجابهة ردود فعل أخرى ومحاولات جديدة لاستهداف الأمن والإستقرار.
لا شك أن قوى الإرهاب وقفت على حقيقتين ، الأولى جاهزية الجيش وإمكانياته الإستخباراتية، وثانيتهما، الموقف الوطني لأغلب فئات الشعب التونسي، الّذي اكّد لها أنه لا ولن تتوفّر لها الأرضية الحاضنة لها، وبالتّالي ستسعى عناصرها في الدّاخل إلى التخفّي وإعادة التشكّل وربّما القيام بأعمال انتقامية محدودة. لذلك لا مجال «للاسترخاء»، ولا بد من تضييق الملاحقة والمحاصرة وسد منافذ الخروج والدخول في نفس الوقت، مع مزيد تنشيط العمل الإستخباراتي وتوسيع التعامل مع الأشقاء والأصدقاء، هي السبل الكفيلة بتحقيق إنتصارات أخرى، وهي الإنتصارات الّتي تمهدّ للنصر الذي تصبو له تونس. ولا بأس من التذكير مجدّدا بضرورة تقوية الجبهة الدّاخلية والإنصراف إلى العمل المجدي، ودعوة القوى الشعبية إلى مزيد التجنّد إلى جانب الجيش والأمن الوطنيين، ليشكلوا السند القوي في مجابهة قوى الإرهاب، والسد المنيع في مواجهة العقيدة المتحجّرة والعدوانية للحداثة وقيم الجمهورية .