هذه المشاورات بدت شاملة و لكنها لا يمكن أن تكون غير محكومة بعدّة ضوابط و معادلات تقتضيها متطلبات ضمان كسب الأغلبية الكافية لنيل ثقة مجلس نواب الشعب ، من جهة ، و التفكير في كيفية إنجاح المهام العاجلة و الإستراتيجية الّتي وقع التعهد بها في إطار «وثيقة قرطاج «للأولويات المُتّفق عليها .
و لئن تبدو مسألة التصويت على الثقة محسومة لإتفاق «حزبَيْ الأغلبية « فإن مرحلة إنجاز خطّة تجاوز الأزمة تبقى مرتبطة بتحديات ومصاعب ، يعرف رئيس الجمهورية و قلّة قليلة من المطلعين على أغوار الأوضاع، كُنهها ، بإعتبار أن أهم الحقائق المالية و الإقتصادية ليست في متناول كل الأوساط السياسية ، بالرغم من أنها تتابع مظاهرها.
وتكليف السيد يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة الثانية للجمهورية الثانية تمّ في ظل هذه المصاعب ، و تمّ إختياره بالرغم من كونه لم يظهر في المشهد السياسي إلا بعد جانفي 2011 و لا يعرف المتابعون له رصيدا نضاليا أو سياسيا يسمح بالحكم له أو عليه مسبقا .
و لكن خيارالتشبيب بإعتبار أن الشاهد هو أصغر رئيس حكومة عرفته تونس، لا يكفي ليكون المعيار الوحيد الّذي كان وراء تعيينه ، بل أن الثقة الّتي حظي بها من لدن رئيس الحمهورية، و عدم إعتراض أهم الأطراف المشاركة في المشاورات المتعلقّة بمبادرة تشكيل «حكومة وحدة وطنية» هي الّتي رجحت كفة هذا الإختيار ، و يستبعدُ أن تجازف هذه الأطراف دون ان تكون ماسكة بالمعطيات الكفيلة بتمكين هذه الشخصية من تجنّب أي مأزق محتمل. و لا شك أن للسيد محمّد الباجي قائد السبسي و مستشاريه تصوّر في كيفية دعم الشاهد لإنجاحه في أداء المهام الّتي سيكلّف بها رسميا بعد نيل ثقة مجلس نواب الشعب.
و لكن ما يقع تداوله حول المحاصّة الحزبية و رغبات بعض الأطراف السياسية في حيازة هذا الموقع أو ذاك ، يثير المخاوف من إعادة تجربة حكومة الترويكا و الحكومة السابقة ، الّتي بقيت تتحرك دون إتباع مسار واضح و دون فرض توجهات تخدم خطة حكومية شاملة ومضبوطة .و قد وصل الأمر ببعض المشاركين في الحوار إلى الَضغط و إلى «التهديد» بعدم المشاركة في الحكومة إن لم تقع الإستجابة لرغبة الحصول على حقيبة ما.
ولعلّ منطق المساومة هذا ، و وضع بعض الشروط من بعض الأطراف الأخرى يكشف إنعدام الوعي بحقيقة الصعوبات الّتي تواجهها البلاد ، و عدم إستيعاب الدوافع الحقيقة للمبادرة ،و الهواجس الّتي تقف وراءها و تغذيها .
فإذا وضعنا في الإعتبار ما ينتظر تونس من صعوبات لا يمكن حلّها إلّا بدعم من صندوق النقد الدولي الّذي له تصوراته و شروطه و ما لذلك من تأثير على بقية الدوائر المالية و الأحلاف الإقتصادية والمنظمات المانحة ، فإن التحديات المنتظرة لا تقبل الإرتجال والتسرّع و معالجة الأوضاع يوما بيوم ، أو الإكتفاء بإدارة الأزمة و إنتظار منّة من المننْ.
إذن الحكومة المنتظرة ، ستكون مطالبة بضبط هيكلة متناغمة لإدخال.....