بعد التطورات التي أعلن عنها في البلاغين الصادرين عن رئاسة الجمهورية يوم الخميس الفارط، بلاغ إقالة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، وبلاغ لقاء الرئيس برئيسة الحكومة نجلاء بودن، إذ وقع الاعلان رسميا عبرهما عن دخول مسار المفاوضات في مرحلة جديدة يقودها رئيس الجمهورية تحت شعار "لا للإملاءات" وانه " ليس من حق أية جهة كانت في تونس أن تتصرف خلافا للسياسة التي يحددها رئيس الجمهورية" بهذه الكلمات وقع الاعلان عن المرحلة الجديدة التي سيتقلص فيها دور الحكومة وهامش تحركها في ادارة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ليرحل الملف برمته الى رئاسة الجمهورية التي اعلنت بشكل صريح ومباشر انها هي التي تدير الملف وان لها تصوراتها السياسية الخاصة بالإصلاحات ولن تقبل التراجع عنها. وهو ما نقله بلاغ اللقاء ، الذي اشار الى تمسك الرئيس بالدور الاجتماعي للدولة وبعدم قبول " تونس بأية إملاءات من أي جهة كانت" وبقناعته ان الحلول للازمة المالية يجب أن تنبع من الإرادة الشعبية للتونسيين وأن تكون تونسية خالصة وفي خدمة الأغلبية المفقرة، كذلك ما حملته بقية البلاغ من رسائل مبطنة بان ادارة الشان العام ورسم السياسات والخيارات الكبرى من اختصاص الرئيس وحده. بلاغ سبقه اعلان عن اقالة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة القنجي التي صرحت قبل ساعات من اعفائها بان الحكومة باتت في المرحلة الاخيرة من رسم برنامج توجيه الدعم خاصة في قطاع المحروقات- وهو ما كان بمثابة رسالة لصندوق النقد الدولي بان الحكومة ماضية في تطبيق الاصلاحات التي التزمت بها ومنها اصلاح منظومة الدعم، وذلك ما يتناقض من تصريحات الرئاسة في الاسابيع الاخيرة. تناقض يتمثل في ان الحكومة وعلى لسان وزيرتها المقالة اعلنت انها ماضية في تنزيل الاصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد والتي تضمنها قانون مالية 2023 الذي اعلن عن تقليص نفقات الدعم باكثر من 1.2 مليار دينار، فيما اعلنت الرئاسة في عدة مناسبات انها لن تسمح باصلاحات تمس من المقدرة الشرائية للتونسين او تهديد السلم الاجتماعي. وذلك ما اكدته ايضا في بلاغها الاخير الذي يحمل ضمنيا اعلانا بالتخلي عن جملة من الاصلاحات او اعادة جدولة مواعيدها. وذلك ما عبر عنه ايضا وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بقوله "ان برنامج الإصلاحات المقترح في اطار الاتفاق مع الصندوق، لن يكون على حساب الفئات الهشة والضعيفة” وان “سيادة الدولة التونسية فوق كل اعتبار”. خطاب الرئيس وخطاب وزير الشؤون الاجتماعية المقرب من الرئيس، ليسا موجهين الى الداخل ولا يبحثان عن طمانة الشارع التونسي، فهذا المستوى الصفر لهما، انما الخطاب والرسائل موجهة الى الخارج واساسا الى صندوق النقد والدول الكبرى التي تضغط من اجل ان تنطلق تونس في تطبيق الاصلاحات قبل صرف القسط الاول من القرض. وهو ما يعني بشكل غير مباشر ان السلطة التونسية تطالب من صندوق النقد الدولي بفك الارتباط بين تنزيل الاصلاحات والوصول الى اتفاق، اي ان لا يكون الاتفاق مشروطا بانطلاق الاصلاحات خاصة المتعلقة بمنظومة الدعم، وان تمنح تونس هامشا لتحديد زمن الانطلاق فيها دون ان يكون ذلك منصوصا عليه في الاتفاق بمواعيد محددة. هنا يتضح أنّ السلطة التنفيذية، بعيدا عن مقولات السيادة والبعد الاجتماعي، تعيد قراءة مسار التفاوض بينها وبين الصندوق من جانب وقراءة المشهد الداخلي من جانب اخر وقد وقفت على جملة من الاستنتاجات قوامها ان الحكومة ومن خلفها رئاسة الجمهورية غير قادرتين اليوم على تنزيل الاصلاحات لعدم توفر حزام شعبي حولهما وثانيهما ان التزامهما المسبق مع الصندوق على حزمة الاصلاحات لم ياخذ بعين الاعتبار جملة من المتغيرات الداخلية والاقليمية التي تنظر اليها السلطة اليوم على انها ورقة رابحة تسمح لها بفرض تصورها او اعادة التفاوض على حزمة الالتزامات مع الصندوق. وهذا ما يجعلنا امام مسار تفاوضي مركب، تراهن فيه السلطة التونسية اليوم على الدعم الايطالي لإقناع الصندوق بالتخلي عن شروطه ومرافقة البلاد في مسار تعافيها من ازمتها المالية لتجنب انهيار يغذي عمليات الهجرة غير النظامية عبر المتوسط، وهي في المقابل تسوق لخطاب سياسي يتحدى الصندوق والغرب
تونس والاتفاق مع صندوق النقد الدولي: اي مصير للاتفاق اليوم؟
- بقلم حسان العيادي
- 15:00 08/05/2023
- 1362 عدد المشاهدات
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم على تونس والتونسيين هو : اي مصير للاتفاق مع صندوق النقد الدولي