نتيجة مناخ شبه حربي سرّبه خطاب تقسيمي تخويني لكل نفس معارض أو منتقد أو حتى متحفظ في هذه البلاد .
صحيح أن الخطاب الرسمي ما فتئ يؤكد منذ 25 جويلية 2021 انه لا مساس بالحريات ، ولكن الحريات تصان لا فقط بالالتزامات اللفظية ولكن أيضا بالمناخات العامة وبالخطاب السياسي المنفتح والمدمج وبالقبول بالحق في الاختلاف وحمايته من كل اعتداء وهذا لم يحصل للأسف ،بل حصل عكسه وبدأ مناخ الخوف يتوسع بحكم سهولة تخوين الرأي والموقف المخالف ..
أخطر ما في الوضع الحالي هو اكتشافنا الجماعي أن عدد المدافعين عن الحرية قليل في بلادنا وأن هذه القيمة لا معنى لها لجزء هام من مواطنينا ومن نخبنا على حد سواء ،فهي لا تستحق عندهم لا دفاعا ولا مساندة بل ترى بعضهم يظهرون أكواما من الشماتة عند إيقاف كل ناشط او ناشطة وهم يتلذذون بالأخبار الزائفة التي تطال الحقوقيات والحقوقيين حتى أصبح التشفي عندهم من الخصوم محاسبة وسلب للحرية دون حجج مقنعة هو عين الفضيلة.
لكن في بلادنا نساء ورجال أعلوا ،وهم يعلون اليوم أيضا ،قيمة الحرية معرضات ومعرضين حريتهم الشخصية إلى مخاطر بعضها معلوم وجلها مجهول .
نكتشف اليوم أن استبطان القيم الكونية مازال ضعيفا جدا عندنا وان عددا لا باس به من قبائل تونس المتناحرة اليوم لا تؤمن بالحرية إلا متى كانت منسجمة مع مصالحها او معاركها فتراها تغض البصر عن استيحاء كلما تعرض الآخر إلى انتهاك حريته .
حرية الفرد هي جوهر حقوق الإنسان ولا يجوز المساس بها او التضييق عليها الا عند اقتراف صاحبها لجريمة بينة يثبتها عليه قضاء نزيه بعد محاكمة عادلة تضمن له حق الدفاع عن نفسه ..هكذا يبنى المجتمع الديمقراطي اليوم وغدا وإلا أدخلنا بلادنا في دوامة جديدة من الانتقام والانتقام المضاد لا نهاية لها .
انه من العار علينا جميعا أن تشعر مناضلة حقوقية نسوية من حجم بشرى بلحاج حميدة بالخطر على حريتها في بلادنا وهي التي وهبت عقودا من حياتها للدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسيين والديمقراطية المنفتحة على جميع المكونات الفكرية والسياسية المدنية للبلاد .
لقد حان الوقت حتى نستفيق جميعا من هذه الغيبوبة المدمرة للإنسان والأوطان.