قد نفهم كل الاعتبارات الشخصية والسياسية التي أدّت إلى غضب رئيس الحكومة وحنقه على استبعاده بالكلية من العملية السياسية التي انطلقت من قصر قرطاج منذ شهر ونصف... ولكن هنالك فرق كبير بين كل هذه الاعتبارات، على وجاهتها، ومصلحة البلاد التي تقتضي بداهة بألا نضيف أزمة سياسية إلى أزماتها المتعددة والمعقدة...
لا ينبغي أن يغيب عن ذهن صاحب القصبة الحالي وبعض مستشاريه وناصحيه الحقائق السياسية التالية: لقد فقدت الحكومة الحالية كل سند سياسي لها داخل مجلس نواب الشعب... فلماذا إذن الإصرار على إطالة الوقت البديل؟ ما هي الفائدة السياسية للحكومة الحالية وللبلاد من الإصرار على تعطيل إنجاز ما توافقت عليه كل الأطراف الموقعة على اتفاق قرطاج؟
يبدو أن السيد الحبيب الصيد لا يريد أن يكون كبش فداء الأزمة السياسية في تونس وأنه يعتبر أن الإخفاق – لو كان هنالك إخفاق – إنما هو أمر متقاسم بينه وبين الأغلبية الحاكمة... كل هذا صحيح ولا يجادل فيه أحد ولكن لِمَ الإصرار على المرور على مجلس نواب الشعب من أجل سحب الثقة؟ هل هو فقط للدفاع أمام التونسيين عن إنجازات الحكومة الحالية؟ هذا الدفاع ميسور وبأشكال عدة:
خطاب أمام مجلس نواب الشعب متى أراد ذلك أو ندوة صحفية أو حوار تلفزي أو خطاب يتوجه به مباشرة للشعب عبر وسائل الإعلام... فالمتاح أمام رئيس الحكومة كبير ولا يفسّر هذا الإصرار الغريب..
فرئيس الحكومة يعلم قبل غيره أن كل يوم يمرّ هو يوم تخسره البلاد التي تعيش حالة شبه عطالة منذ شهر ونصف... إذن لِمَ إطالة هذه المرحلة؟ هل يعتقد الحبيب الصيد أنه بإمكانه أن ينال ثقة مجلس نواب الشعب من جديد؟
الواضح أننا لم نعد أمام تصرف عقلاني يمليه التقدير الموضوعي لمصلحة البلاد بل تعنّت يتداخل فيه المزاج الشخصي مع نوع من التحليل السياسي الذي تغيب عنه برودة.....