ولاسيما بعد المشاركة الشعبية الهزيلة للغاية خلال الدورتين الانتخابيتين في ديسمبر 2022 وجانفي 2023.
ملاحظتان أساسيتان ميزتا هذه الجلسة الافتتاحية :
الملاحظة الأولى هي تحديد دقيق وتفصيل لجدول اعمال هذه الجلسة نجده في الأمر الرئاسي الصادر يوم 8 مارس والذي تضمن عشر نقاط تعلقت ثمان منها بجدول الأعمال الكامل لهذه الجلسة الافتتاحية وهي مسالة مثيرة للاستغراب لأن الأمر الرئاسي لم يترك للجلسة العامة سلطة تقديرية ، اذ حتى بعد انتخاب رئيس المجلس ونائبه ونائبته والتئام الجلسة العامة تحت هذه الرئاسة المنتخبة فعليها عرض تكوين لجنة للنظام الداخلي (الفصل 8) ثم دعوتها الى اجتماع مباشرة اثر الجلسة الافتتاحية (الفصل 9) .قد يقول بعضهم هذه شكليات اجرائية ،ولكن الشكليات مهمة للغاية في سير مؤسسات الدولة لانها تعكس فلسفة هيلكة السلطة وحوكمتها ..
الواضح هنا ان اولوية "الوظيفة" التنفيذية على "الوظيفة" التشريعية كبيرة للغاية فنحن في واقع الحال لسنا امام وظائف مختلفة بل امام سلطة واقعية وهي السلطة التنفيذية التي يمثلها اليوم رئيس الدولة والتي لها وحدها اليد الطولى على سائر "الوظائف "الاخرى. الملاحظة الثانية هي التي اثارت جدلا كبيرا وغضب كل الاعلاميين وهياكلهم الممثلة وهي منع كل الوسائل الاعلامية الخاصة وحتى العمومية احيانا من تغطية الجلسة الافتتاحية باستثناء التلفزة الوطنية والإذاعة الوطنية ووكالة تونس افريقيا للانباء ،وهذا المنع يحصل للمرة الاولى في تاريخ المجالس النيابية او التأسيسية منذ الثورة .
والمنع هنا لم يأت من اصحاب الوظيفة التشريعية رغم ادعاء البعض بأنهم هم الذين كانوا وراء هذا القرار. المنع مارسته السلطة التنفيذية عبر تعليمات اعطيت للأمنيين المكلفين بحماية مبنى البرلمان .
والرسالة هنا واضحة : السلطة التنفيذية تريد انتاج صورة للبرلمان الجديد لا يشوش عليها الاعلاميات والإعلاميون بإنتاج صورة قد تكسر هذا البهرج الاصطناعي وقد تنقل وسائل الاعلام الخاصة تصريحات وتعليقات للنواب الجدد تجعلنا نخرج من هذه السردية الوردية التي ارادتها السلطة التنفيذية .
ولكن هنالك ايضا رسالة اخرى موجهة لهذا البرلمان الجديد مفادها انك لست حرا في صناعة صورتك او في كيفية التغطية الاعلامية لأشغالك .
هنالك استراتيجية غريبة للتحكم في الصورة في زمن الاعلام التعددي والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
الان وقد تشكل البرلمان الجديد سوف نرى هل سيجنح فعلا الى الاستقلالية التي تفرضها عليه صفة التمثيل الشعبي ام انه يرضى بهذا المربع المحدد له سلفا .