مرة اخرى ،مواطنون لا رعايا

هنالك ثقافة سياسية جديدة بصدد التسرب الينا في الفترات الأخيرة مفادها أن السياسة بما هي تعدد واختلاف وتحزب واختيارات وإيديولوجيات قد انتهى عهدها

وانتفى مجال ممارستها في الفضاء العام ..السياسة عند هؤلاء حكر على أجهزة الدولة ،بل هي اختصاص حصري لرأس السلطة التنفيذية فقط لا غير .

هذه "الثقافة"' السياسية الجديدة يبشر بها عدد هام من نواب البرلمان القادم والذين يقولون لنا اليوم أن عهد السياسة قد ولى وانتهى وأننا سنرى ممارسة جديدة لا عهد للتونسيين بها كذلك للعرب وللأعاجم أجمعين .
وهذه الثقافة الجديدة ليست حكرا على نواب البرلمان القادم بل نجدها ايضا عند العديد من وزراء الحكومة الحالية الذين ينفون عن أنفسهم طواعية صفة السياسيين معتبرين انفسهم تقنيين فقط ليس إلا .
ما معنى أن يسعى بعضهم الى نفي الصفة السياسية عن أنفسهم وعن عملهم وعن أدوارهم ؟
المعنى الوحيد هو انه لم يعد من مبرر اليوم لممارسة السياسة بصفة جماعية كما تعودناها اي أن تتشكل مجموعات على قاعدة التقائها على تصور فكري وقيمي مشترك تنبثق عنه اختيارات سياسية واقتصادية واجتماعية للبلاد تتجاوز اجتهادات الأفراد .
في هذه "النظرية " والتي أصبحت على ما يبدو العقيدة الرسمية للدولة لا وجود لأية مشروعية لسائر الّأجسام الوسيطة التي تدعي تمثيل الرأي العام وهي في الحقيقة لا تمثل إلا نفسها ومصالحها الحزبية او الفئوية .وأن المطلوب اليوم تحرير ارادة افراد الشعب من كل هذه الاجسام الوسيطة ..
تبدو الفكرة جذابة من الوهلة الأولى ولكن عندما نمعن النظر فيها نجد أننا سنضع الأفراد في مواجهة مباشرة مع السلطة التي تحتكرها الدولة بطبيعتها فنعوض "التحيّل "المفترض للأجسام الوسيطة بتبعية مطلقة كما كان يسميه الفيلسوف الانجليزي هوبس بالتنين .فوهم الديمقراطية المباشرة المتحررة من كل الاجسام الوسيطة هو في حقيقة الأمر خضوع الجموع لإرادة الفرد،فالوساطات هنا هي شرط لانعتاق الفرد وليس العكس .
ونتيجة ارادة محور السياسة من الفضاء العام تحويل الأفراد من مواطنين الى رعايا..اي من افراد ذوي ارادة مستقلة وحرة يتمتعون بالحقوق والحريات الفردية والعامة التي تكفلها كل المواثيق الدولية لأفراد ينتظمون في أحزاب ومنظمات ونقابات وجمعيات للمساهمة الفعالة في السياسات العمومية للدولة الى أفراد معزولين لا حول لهم ولا قوة امام الدولة وأجهزتها.
في النهاية بدل ان نذهب الى ديمقراطية اكثر تشاركية وشفافية يكون المواطن(ة) فيها حجر الزاوية ،نحن بصدد تحويل المواطنين الى رعايا لا رأي ولا قرار لهم .
"مواطنون لا رعايا" كتاب للمثقف المصري خالد محمد خالد صدر للمرة الأولى سنة 1951..كتاب حمل صرخة شاب (31 سنة) مازالت أصداؤها تدوي في كامل الربوع العربية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115