وما يسترعي الانتباه في تعليقات الفايسبوكيين والتي تمثل جزءا من الرأي العام، أنّ البعض استهجن تحديد معلوم للسهرة التي تجمع بين الحوار السياسي والترفيه : فهل «الاربعين دينارا للسلامية ؟
- الاربعين دينارا للمشروبات؟ ...بينما استغرب البعض الآخر من عملية التسويق التي شاركت فيها محجوب ومرعي وانتقدوا بشدة مرعي التي «مدت يديهـا للحنة» فـ «كيف تسمح وزيرة تمثل الدولة التونسية لنفسها بمثل هذا الصنيع ؟
استخدام اسمها وصورتها في إشهار لمؤسسة خدمات خاصة
مع اقتران اسمها وصورتها وصفتها بمبلغ الخدمة المسداة.»
وبقطع النظر عن مبررات دفع معلوم الحضور هل هو للعموم أو لأعضاء الحزب فإنّ الأسئلة التي نطرحها تتعلق بعلاقة النساء بالسياسة ورمزية توظيف صورهن إذ لا يخفى أن الدعوة تعدّ نصّا مرئيا قابلا لفكّ شفراته .فما وجاهة نشر صورتي محجوب ومرعي في هذه الدعوة وما الدلالات التي تكمن خلفها؟
تجد هذه الأسئلة مشروعيتها في التعليقات التي رصدناها والتي تعبّر في قسم هامّ منها عن العقليات السائدة. فالربط بين سعر التذكرة واسم العضوتين في حزب آفاق تونس ينمّ عن هوامات fantasmes وعقلية ذكورية لا ترى في المرأة إلاّ جسدا قابلا للاستغلال والتسليع. ولا فرق هنا بين من تروّج لمنتوج استهلاكي ومن تروّج لصورة الحزب الذي تنتمي إليه. وعلى هذا الأساس لا نستغرب تعليق أحدهم: «سهرية مع وزيرة المرأة بأربعين دينارا زعمة الحكومة ولاَّ هيَّ
تقبض في الفلوسْ» وأن يذهب آخرون إلى الربط المقصود بين النساء والمال والمتعةو«الدعارة».
وإذا اعتبر حزب آفاق في نظر خصومه، «حزب فرنسا النيوليبرالي» فإنّ تخصيص سهرة أو مسامرة رمضانية نسائية مُخبر عن هذا التوجه الذي «يجندر المشاركة السياسية’ فيفصل بين أنشطة الرجال وأنشطة النساء داخل الحزب وهو في ذلك لا يختلف عن الفصل بين الجنسين المعتمد في أنشطة حزب بمرجعية إسلامية يتوخى السلامة من فتنة اجتماع النساء بالرجال.
أما إذا تأمّلنا في دلالة الجمع بين المسامرة السياسية والسُلامية فإنّ الجمع بين الجدّ : التدبّر في عالم السياسة ورهاناتها وما يجري في كواليس المؤسسات من تفاوض وتنازل وتستّر على الفساد و... والسلامية التي تندرج في إطار الغذاء الروحي لا مغزى من ورائه سوى الاستعمال الديني للتطهر من أدران السياسي من جهة، ولتبرئة ساحة الحزب من تهمة التغريب، من جهة أخرى.
قد نجد تبريرا لمن فكّروا في تنظيم هذه المسامرة وصمّموا الإخراج الفني لهذه الدعوة ولكن ما هو مبرر وزيرة المرأة حين تقبل على نفسها أن تكون على ذمة حزب يسوّق صورتها بهذه الطريقة الفجة التي لا تعبّر عن الوعي الذي وصلته النساء في تونس؟ إنّ العنف اللفظي والرمزي الذي مورس في حق مرعي ومحجوب على مواقع التواصل الاجتماعي يتجاوزهما ليعبّر عن شكل آخر من أشكال العنف المبني على الجندر. وفي الوقت الذي صاغت فيه وزارة المرأة خطة لمواجهة العنف ضد النساء نجد الوزيرة وزميلتها تنخرطان عن غير وعي في ما من شأنه أن يفتح المجال أمام أشكال من العنف المعبرة عن كره النساء... وهنا المفارقة ومكمن الاستغراب.
ليست مشاركة النساء في السياسة مقتصرة على تولي المناصب ووضع السياسات ومحاولة الربط بين القول والفعل بل هي مسؤولية تاريخية وأداء ومقاومة لثقافة الاستهلاك وما تروج له من قيم تبيح استغلال أجساد النساء. إنّها يقظة وفطنة ووعي بمختلف الدلالات الرمزية التي يتضمنها المتخيل السياسي والمتخيل الاجتماعي والمتخيل الديني. كما أنّها تدبر في نسق التمثيل وطريقة بناء السلطة واستعداد للنأي بالنفس عن كل ما من شأنه أن يسيء إلى المسيرة النضالية للحركة النسائية.