الحرية والديمقراطية انحرافات الممارسة وأن نتمكن من وضع حدّ للفساد المحيط ببعض أطراف اللعبة وأن يراكم المواطنون والمواطنات تجربة الاختبار الصائب حتى ينتخبوا الاحزاب والتكتلات الحاملة لبرامج جدية والتي لديها الكفاءات القادرة على خدمة البلاد بدلا من تلك الاحزاب التي تلعب على عواطف الناخبين وترى في الوصول الى السلطة مجرد كعكعة يقع تقاسمها بين الفائزين/الغانمين ..
لم يدر بخلدنا آنذاك أن هذا المسار الصعب الذي اخترناه بغاية الوصول الى ديمقراطية اجتماعية مكتملة مؤسسة على اقتصاد حر من كل العوائق البيروقراطية ..ان هذا المسار صار مهددا في جوهره بحكم نخب جديدة لا تؤمن به وحكم فردي لا معدل لسلطاته وثقافة المنقذ المخلص المتفشية في أوساط واسعة في بلادنا ..
يبدو أن عقارب الزمن في تسارع جديد وأن شعار المرحلة هو الكشف عن مؤامرات دورية كلها تستهدف أمن الدولة الداخلي والخارجي مع توزيع مكثف لتهم الخيانة والعمالة لجل القوى والشخصيات المعارضة للمسار الرسمي ..
بعد مجموعة الـ25 في الخريف الماضي ،ها نحن أمام مجموعة جديدة تضم سياسيين ورجال أعمال وإعلاميين كلهم متهمون بالتآمر على أمن الدولة وتغيير هيئة الحكم والإساءة الى رمز الدولة والسعي الى اغتياله والتخابر مع قوى اجنبية بعضها معروف بميولاته الصهيونية العداونية الواضحة والإعداد للإضرار بالأشخاص والممتلكات وتهديد الأمن الغذائي واللجوء الى ميليشيات مسلحة من الخارج ..
هذه التهم ، وغيرها،نقرأها اليوم في محاضر أمنية مسربة كلها على شبكات التواصل الاجتماعي في ظل صمت مطبق للسلط الامنية والقضائية المعنية ..
لا نريد أن نقول انه يستحيل وجود مجموعة تونسية تخطط لانقلاب ما ..ولكن لا يمكن ان تكون هذه المجموعة شخصيات سياسية كلها تنشط في العلن ومواقفها من المسار الحالي لرئيس الدولة معروف ولا علاقة لها البتة مع الأطراف في الأجهزة الصلبة للدولة .
ولو افترضنا وجود هذه المجموعة مع اختراقات واضحة مع بعض العاملين في الأسلاك المسلحة فإن ذلك يتطلب حتما من السلطة المعنية كشف هذه المعطيات الخطيرة ولشملت حملة الايقافات ضرورة تلك الاطراف والجهات القادرة لوحدها على القيام بمحاولة انقلابية.
لسنا ابناء اليوم ونعلم كيف أن محكمة امن الدولة سيئة الذكر لم تحاكم فقط المتورطين في محاولات انقلابية جدية بل كذلك شباب اليسار التونسي في الستينات والسبعينات والثمانينات (حذفت محكمة امن الدولة في 29 نوفمبر 1989) والذين قضوا خيرة سنوات حياتهم في السجون لا لشيء ،الا لانهم انتظموا في احزاب لم يمكن يسمح "القانون" بوجودها وكان هذا النشاط السياسي هو المجرم في حقيقة الامر ولم يثبت لا البارحة ولا اليوم ان هذا الشباب فكر او خطط للتآمر على أمن الدولة رغم مركزية هذه التهمة بالنسبة للكثيرين منهم.
إن أخشى ما نخشاه أن يعيد التاريخ نفسه في شكل تراجيديا وأن يجرم من جديد النشاط السياسي السلمي او الاعلامي او الحقوقي فعلا لا قانونا وأن تصبح تهمة التآمر كـ"سيف ديمقليس" معلقة فوق رأس كل ناشط سياسي او جمعياتي أو اعلامي وان تصبح الاجتماعات السياسية الخاصة المنعقدة في بيوت اصحابها جريمة أو أن نحوّل كل لقاء بين ناشطين تونسيين وديبلوماسيين اجانب الى خيانة او تخابر .
القاضي في كل دساتير الدنيا هو حامي الحقوق والحريات ومن بين هذه الحقوق والحريات حرية النشاط السياسي السلمي.
لا نريد أن تصيبنا لعنة سيزيف فتنهار العزائم ويفقد الامل .