تشريعية 17 ديسمبر 2022: نهايـة مســار !

عندما لا يشارك تسعة أعشار الجسم الانتخابي في انتخابات عامة (تشريعية أو رئاسية) فذلك يعني حتما وبكل لغات العالم وتقاليده وعاداته السياسية نهاية مسار بالانتفاء الكلي والكامل لمشروعيته.

من هنا يكون الحديث عن دور ثان لهذه الانتخابات وعن نتائج مؤقتة ثم حصول طعون ونتائج نهائية، كل ذلك من باب اللغو واللامعنى لأنه إنكار لواقع صلب قالته الأرقام بكل شدة : %90 من المواطنات والمواطنين لم ينخرطوا في المسار الذي رسمه رئيس الدولة بمفرده وذلك أيّا كانت دواعي هذا العزوف وأسبابه.

لاشك أن الثقة في رئيس الجمهورية قيس سعيد هي اليوم ارفع بكثير من %10 لكن الثقة في الشخص لم تتحول إلى ثقة في المسار السياسي والمؤسساتي الذي خطّه الشخص وحث جموع التونسيين عليه، وعندما تنعدم الثقة في المسار بهذا الشكل شبه الإجماعي فهذا يعني بكل وضوح أن هذا المسار فقد كل مشروعية وأن الإصرار على المواصلة فيه وإنما هو من قبيل إهدار الوقت والجهد والفرص للبلاد وللعباد ..

ما معنى أن يكون لنا برلمان حظيت الغالبية الساحقة من نوابه بأقل من %5 من أصوات المسجلين في الدور الأول؟! لا يعني هذا قدحا في الأشخاص بل هو المآل المحتوم لمسار انفرادي تصور انه بالإمكان إعادة صياغة المشهد السياسي للبلاد خارج كل الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات ومجتمع مدني وإعلام..أي خارج كل نخب البلاد بالمعنى العام والواسع لمفهوم النخبة كما ان فشل هذا الخيار دليل إضافي على استحالة فرض الأمر الواقع رغم أنف كل الأجسام الوسيطة إلا في حالة واحدة وهي الاستبداد القمعي والعنيف وهو مآل لا نتمناه لبلادنا ولا لأي بلد في العالم ..

ماذا تعني «نهاية مسار»؟
تعني بداية الإقرار بهذا من قبل صاحب المسار ذاته دون التمادي في إنكار الواقع أو التعلل بالمؤامرات الداخلية والخارجية والغرف المظلمة ولوبيات الفساد والجريمة.
ومن تمام الإقرار بنهاية المسار هذا إلغاء الدور الثاني للانتخابات التشريعية والدخول في مشاورات جدية وسريعة مع كل شركاء الوطن من منظمات وأحزاب وجمعيات وشخصيات اعتبارية ذات مصداقية للاتفاق على أفضل السبل وأقلها كلفة للبلاد لإعطاء الكلمة للشعب لاختيار رئيس(ة) للبلاد وبرلمان تعددي وديمقراطي وفق قانون انتخابي جديد يسمح بإفراز أغلبية حكم واضحة.

المسؤولية السياسية تفرض على رئاسة الحكومة الاستقالة اليوم لأن هذا العزوف شبه الإجماعي إنما هو أيضا ضدّها وضدّ حكومتها وضدّ طريقة تصرفها في الشأن العام على أن يكون صاحب(ة) القصبة الجديد(ة) شخصية اقتصادية قوية متوافق حولها وتعطى لها كامل الصلاحيات لقيادة البلاد في هذه المرحلة الدقيقة والانتقالية كما تتولى تنقية المناخ السياسي والاجتماعي وتغيير الفرق المشرفة على الإعلام العمومي وعلى هيئة الانتخابات لضمان الحياد والشفافية والتشاركية الأوسع في المواعيد الانتخابية القادمة ..
ستكون المهمة الأكبر لهذه الحكومة التخفيض الكبير من حدّة التوتر والتناحر داخل البلاد وإعادة ثقة الجميع في تونس وفي إمكانياتها وان تقوم بالإصلاحات الضرورية لإنعاش الاقتصاد وتوفير الخدمات العمومية الدنيا مع مراعاة الوضعية الصعبة للغاية للمالية العمومية.
الأفضل للبلاد أن يكون رئيس الدولة هو المبادر بهذه الخطوات الشجاعة والجريئة حتى نجنب البلاد المزيد من إهدار الوقت والجهد وان نضع حدا لهذا الاحتراب الداخلي وألا يقصى احد من المنافسات الانتخابية القادمة إلا الأفراد الذين اقترفوا جرائم يعاقب عليها القانون.
فعلا إنها الفرصة التاريخية والأخيرة لإنقاذ البلاد ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115