ليوم 19 ديسمبر الجاري أضحى مسألة شكلية لا غير ..
ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان إذ قرر صندوق النقد سحب الملف التونسي لعدم اكتماله ولعدم إيفاء الطرف التونسي بكل وعوده وتعهداته.
لقد تعهد الوفد التونسي المفاوض في أكتوبر الماضي بالشروع فعلا في برنامج الإصلاحات وأن ذلك سيظهر جليا في قانون المالية لسنة 2023 والذي كان سيصدر، على الأقصى، في نهاية نوفمبر الماضي.. وأن القيادة السياسية (أي رئيس الجمهورية) متحمسة لهذا البرنامج كما أن تونس ستعمل منذ حصول الاتفاق مع خبراء صندوق النقد على حشد ما يكفي من أموال في إطار العلاقات الثنائية لإتمام ميزانية 2022 وتحقيق التوازنات المالية الضرورية لسنة 2023..
كل هذه الوعود والالتزامات لم تتحقق والسؤال الجدي الوحيد هنا هو لماذا ؟ وخاصة لماذا عجزت الدولة على إصدار مرسوم قانون المالية لسنة 202 في أواخر الشهر الماضي؟
لا أحد (خارج الدوائر الضيقة للسلطة) يعرف لماذا ولكن الواضح انه قد استحال التحكيم في المعطيات المتناقضة وفي الإكراهات المعلومة لهذا المرسوم.
بعبارة أوضح لم يوافق رئيس الدولة على إدراج بداية تطبيق البرنامج التونسي ضمن مرسوم المالية لسنة 2023 سيما كل تلك الإجراءات التقشفية المتعلقة بالرفع التدريجي للدعم في المواد الأساسية مع رفعه كليا في المحروقات والحدّ من دعم المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور...
ولعلّ رئيس الدولة يعتقد أن إمضاءه لمرسوم مالية يرضي صندوق النقد هو نهاية مرويته السياسية لأن الأمر لا يتعلق بإجراءات تقشفية فقط سوف تمس حتما من القدرة الشرائية للفئات الهشة وللطبقة الوسطى لكن وخاصة أن البرنامج الذي اقترحته حكومة نجلاء بودن على خبراء صندوق النقد يهدف في جوهره إلى انخراط أكبر لتونس ضمن العولمة الرأسمالية وفتح الاقتصاد التونسي على المنافسة داخليا وخارجيا وهذا كله مناف للسردية الإيديولوجية لرئيس الدولة .
ويمكن أن نقول هنا أن سحب صندوق النقد لملف تونس هو ضغط رهيب على البلاد لتحسم اختياراتها الإستراتيجية بشكل نهائي.
لن يعرض ملف تونس على أنظار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي من جديد إلا في بداية السنة القادمة (جانفي ؟) أي بعد إصدار مرسوم المالية والكشف عن التوازنات الكبرى لميزانية 2023 ، وهنا سيكون الاختبار الفعلي : هل انتجنا مرسوما للمالية يستجيب لمطالب كبير المانحين(صندوق النقد الدولي) أم أننا أنتجنا نصا آخر لا يعبأ باملاءات الدوائر المالية الدولية ؟
لم يعد بالإمكان تأجيل الإجابة عن هذا السؤال بعد نهاية هذا الشهر،ولعل الإجابة الأسوا ستكون خليطا من هذا وذاك فلن نرضي بذلك أحدا ولن نحسم أمرنا وسنترك بلادنا في مهّب الرياح.
سيكون مرسوم قانون المالية لسنة 2023 منعطفا حاسما في حاضر ومستقبل السلطة الحالية فإما الانخراط الكلي مع صندوق النقد – مهما كان تنميق الخطاب – أو البحث عن طريق آخر لتمويل ميزانية الدولة،والمسألة هنا لا تتعلق باختيار فكري آو عقادئي بل بالقدرة على توفير الموارد الضرورية للدولة ومن ثمّة للبلاد وللاقتصاد وللحياة اليومية للناس .
السلطة تملك أسبوعين فقط للحسم.