تجد نفسها في مرمى سهام الرئيس والمعارضة والموالاة واتحاد الشغل: إلى متى ستصمد حكومة نجلاء بودن ؟

من بين المفارقات العديدة التي تعيشها بلادنا الآن مفارقة غريبة تكاد تكون فريدة من نوعها : حكومة يعارضها الجميع لا فقط خصومها الطبيعيون من أحزاب معارضة

ونقابات عمالية وجمعيات المجتمع المدني، بل يعارضها أيضا (في جوهر سياساتها العمومية) رئيس الجمهورية وكل التشكيلات والشخصيات التي تنسب نفسها إلى مسار 25 جويلية.
والانتقادات هنا من صنفين اثنين : ضعف القدرة على الإنجاز من جهة والاختيارات غير الشعبية من جهة أخرى ..
قد يمكن تفهم الإجماع الحالي ضد حكومة بودن عندما يتعلق الأمر بضعف الإنجاز وعدم القدرة على إيجاد الحلول العاجلة والناجعة لأزمات البلاد المتفاقمة أما عندما يتعلق الأمر بالخيارات الكبرى للحكومة يصبح الأمر غريبا للغاية إذ لا يمكن تصور وجود استراتيجية ما للحكومة الحالية دون موافقة مسبقة من رئيس الدولة ،الرئيس الفعلي والوحيد للسلطة التنفيذية ..
ولكن هل أن لحكومة نجلاء خيارات استراتيجية حتى تكون محل انتقاد من القوى التي يفترض فيها مساندتها لها ؟
في الحقيقة التوجه الإستراتيجي الوحيد للحكومة الحالية هو سعيها منذ انتصابها إلى إمضاء اتفاق ممدد جديد مع صندوق النقد الدولي وكل ما يفترضه ذلك من إجراءات تقشفية تهم الإنفاق العمومي سواء أتعلق ذلك بدعم المحروقات والمواد الأساسية أو بكتلة الأجور أو بضخ سيولات مالية هامة في عدد من المؤسسات العمومية... هذا البرنامج مع صندوق النقد هو العمل الأساسي للحكومة وهو محلّ جدل يتزايد يوما بعد يوم خاصة وان الاختيار اللاتصالي للقصبة يسهم بوضوح في تراكم الارتياب حول الالتزامات العملية التي تعهدت بها الحكومة لصندوق النقد .
لا أحد يريد اليوم في تونس ان يدعم برنامجا يرتكز على سياسة تقشفية تزيد في تراجع القدرة الشرائية لفئات واسعة من الشعب التونسي خاصة وان كل المؤشرات تدل على تواصل مرحلة النمو الهش في البلاد (دون %3 على امتداد السنوات الخمس القادمة حسب توقعات خبراء صندوق النقد) وإن كان لا عاقل واحد يشك في أن هذا الاتفاق المبدئي ،في انتظار التوقيع النهائي بعد أسبوعين، ما كان له أن يرى النور لولا موافقة رئيس الدولة، إلا أن صاحب قرطاج لا يريد أن يتبناه بصفة واضحة دون أن ينتقده مباشرة كذلك مكتفيا بمعارضة صريحة لمضمون البرنامج مع صندوق النقد دون نسبة هذا إلى الحكومة أو حتى إلى هذا الاتفاق .ولكن تونس مقدمة على إمضاء رسمي لهذا الاتفاق الممدد بعد أسبوعين وعندها سيستحيل على كل مكونات السلطة التفصي من هذا الاتفاق ومن تبعاته ..
والسؤال هنا هو هل ستكون حكومة بودن ضحية لنجاحها في عقد هذا الاتفاق؟ أم أن هذا القرض الجديد لصندوق النقد سيكون قارب نجاتها؟
بعبارة أوضح هل يمكن عزل حكومة بُعيد اتفاقها مع المانح الأول الأهم ؟ وحتى في هذه الصورة ألا يجب أن يكون خليفة بودن أكثر حماسا لإنجاز بنود الاتفاق مع الصندوق لأنه في صورة التراجع ولو الجزئي ستكون النتائج وخيمة على البلاد خاصة في جدية التزاماتها وايفائها بتعهداتها .
يتوقع العديدون أن عمر حكومة السيدة نجلاء بودن بات محسوبا وانه قد لا يتجاوز الأشهر القليلة ،ولكن حتى لو حصل ذلك فلن يكون مطلقا في إطار اختيارات جديدة بل لنجاعة أكثر للسير على نفس النهج ..
قد لا تدوم حكومة بودن ولكن الأكيد أن اختياراتها الأساسية سوف تستمر لأربع سنوات قادمة على الأقل وذلك أيا كانت التوازنات السياسية القادمة في البلاد .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115