ينبغي الإقرار بأن المسألة لم تكن سهلة في البداية بالنسبة للمنظمة الشغيلة التي كانت في صراع مفتوح مع المنظومة السابقة وفي عداوة سافرة مع أحد مكوناتها «ائتلاف الكرامة».. والقاعدة معروفة في عالم السياسة: عدو عدوي هو في العادة صديقي أو هو قريب من ذلك..
وقد اوضح اتحاد الشغل منذ البداية انه لن يمنح صكا على بياض لأحد وانه يريد من 25 جويلية أن يتحول إلى مسار تشاركي من أجل وضع حدّ للانحرافات السابقة لا أن يؤول إلى انفراد بالرأي والقرار في رسم حاضر ومستقبل البلاد.
كما لا ينبغي أن ننسى التنوع الفكري والسياسي الهام للبيت النقابي وان النقابيين، كبقية مكونات المجتمع المدني، كانوا مختلفين إلى حد ما في تقييم مسار 25 جويلية بين من يؤمن بضرورته على علاته وبين محترز من انحرافاته، ولكن القيادة النقابية تمكنت رغم كل ذلك من توحيد صفوفها وتوحيد موقفها حول قضايا أساسية أهمها انه لا عودة الى 24 جويلية ولا للانفراد بالرأي مع معارضة كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تمس من القدرة الشرائية لعامة التونسيين أو التي تنخرط في السياسات التقشفية لصندوق النقد دون استعداد ممنهج للسلطة مع الحذر،كل الحذر،أن تُحشر منظمة حشاد في صراعات سياسية تستفيد منها أطراف بعينها وخاصة تلك التي كانت متنفذة في السابق.
لعل كل هذا يفسّر الحذر التكتيكي للقيادة النقابية وتخيرّها بدقة للحظات «الهجوم» و«التراجع» ورغبتها في الوصول إلى اتفاقات ولو كانت جزئية مع حكومة نجلاء بودن مع التأكيد المستمر على ضرورة الحوار الشامل والجامع حول كبريات القضايا الوطنية ..
لقد اختار الاتحاد ألا ينخرط في حملة الاستفتاء لا سلبا ولا إيجابا ولكنه رفض الصيغة التي وضع بها المرسوم الانتخابي وأبدى في مناسبات عدة عدم اقتناعه بالمسار الانتخابي ودعا إلى تأجيل موعده حتى تتجنب البلاد تنازعا إضافيا لا فائدة من ورائه ..
وقد اظهر الاتحاد منذ بدايات التفاوض مع صندوق النقد معارضته الشديدة لخيارات الحكومة وطالبها بكل إلحاح في مناسبات عديدة بمصارحة التونسيين بحقيقة الأوضاع أولا وبالمضامين الفعلية لقراراتها الاقتصادية والاجتماعية ثانيا،وهنا لمست القيادة النقابية نية الحكومة الواضحة في المراوغة والمخاتلة، على
حدّ تعبير الأمين العام نور الدين الطبوبي، وأن «الحوار الاجتماعي» للحكومة لا يتجاوز محاولة توظيف الحضور النقابي للإيهام بتوافق غير موجود وبتجنب كل حوار جدي على جملة المفاهمات التي حصلت مع صندوق النقد الى حد الان ..
كل هذا يكفي لوحده لتفسير اختيار القيادة النقابية مهاجمة الخيارات الحكومية الفعلية لا في المجالين الاقتصادي والاجتماعي فقط ولكن كذلك في مجال الحقوق والحريات وتكاثر الانتهاكات ضد حرية التعبير والتظاهر ..
يبدو أن المنظمة الشغيلة قد استعدت جيدا للمرحلة القادمة خاصة عندما ستُكشف بعد ثلاثة أسابيع على الأقصى كل تفاصيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مع بداية ظهور عناصر السياسة التقشفية في مرسوم قانون المالية للسمنة القادمة من رفع تدريجي للدعم وارتفاع متوقع للتضخم وتراجع نسبي للاستثمار العمومي ..
سيكشف الأمين العام للاتحاد يوم غد عن الموقف الرسمي للمنظمة من كل هذه الملفات وعن مربع النضالات النقابية القادمة والتي ستتميز دون شك بتوتر غير مسبوق مع السلطة الحالية ومع الإعلان الواضح عن ان الاتحاد لم يعد ملتزما بعدم المطالبة بالزيادة في الأجور خلال السنوات الثلاث القادمة ..
لقد اختارت المركزية النقابية فترة الحملة الانتخابية الباهتة لتقول للجميع انها ستكون حاضرة وحاضرة بقوة في المرحلة القادمة.