الثقة والاحترام المتبادلين إضافة إلى رفع مطلب الحماية و«عدم الاعتداء عليهم» والتشفي منهم. فهم «مجرد أعوان ينفذّون الأوامر». وقد نجم عن تحوّل السياق وعي أغلبهم بضرورة الانخراط في مسار الإصلاح. فانطلقت دورات إعادة تأهيل القطاع الأمني وفق منظور حقوقي يُعلي من شأن «الأمن الجمهوري» ويرسي قاعدة «الأمن في خدمة الشعب» بدل أن يكون العصا الرادعة والأداة القمعية التي تطوّع «الرعايا» لإرادة السائس.
لكن السنوات الأخيرة، وخاصّة منذ احتجاجات جانفي 2021 أثبتت أنّ الأموال التي ضختها الجهات المانحة والداعمة في سبيل تغيير تصورات أهل القطاع وسلوكهم والصور النمطية التي يحملونها عن مختلف الشرائح الاجتماعية قد أهدرت إذ تكرّرت صور الاعتداء على الشبّان على وجه الخصوص، وتضاعفت حالات موت «ضحايا الآلة القمعية» ومن هنا بات بإمكاننا أن نؤرّخ لعمليات انتهاك قوى الأمن لحقوق التونسيين/ات واعتدائهم على كرامة المواطنين.
لاشكّ عندنا أنّ العودة إلى الأساليب القديمة التي تحطّ من كرامة المرء وتوظيف «الموروث اللغوي» المعتمد من أجل إذلال الآخر والتشفّي منه تقيم الدليل على أنّ أكثر الذين حضروا دورات تدريبة لم يكونوا على استعداد لتغيير سلوكهم وطرائق تواصلهم وفهمهم للواقع إذ نظر إلى برامج الإصلاح على أنّها مسقطة من «فوق ومن الغرب» ومن ثمّة انتفت الإرادة والرغبة والقدرة الذاتية على المراجعة.ومن الواضح أنّ المشرفين على القطاع الأمني لم يستفيدوا من الدروس والعبر من النقاش الذي دار حول التعاطي الأمني مع المحتجين السود ونشأة الحركة الاجتماعية «حياة السود هي أيضا مهمّة» ولا من الانتقادات التي وجهت للشرطة الفرنسية في احتجاجات «أصحاب السترة الصفراء»د وصولا إلى الآراء التي أبداها عدد من الشبان والشابات في الاحتجاجات الأخيرة وانتقال هؤلاء إلى توظيف أشكال جديدة من الاحتجاج على «القمع البوليسي» و«الدولة القمعية».
إنّ تكرار هذه الممارسات المخالفة لما جاء في الدستور والمواثيق الدولية والقرارات الأممية والمعاهدات من مواد تنص على احترام المواطنين/ات والامتناع عن توفير كل الضمانات لمحاكمات عادلة ومعاملة منصفة أضحى هاجسا يشغل الرأي العام التونسي، خاصة العائلات التي فقدت أبناءها أو سجنوا أو
«حرقوا» هربا من بلاد لا تمنحهم الحق في الحياة الآمنة والكريمة، كما أنّ المنظمات الحقوقية والنشطاء/ات نبّهوا أكثر من مرّة إلى خطورة الوضع.
وفي المقابل لم يفتح النقاش العام حول هذا الموضوع «الحار» بمفهوم دراسات الإعلام (والذي يوفّر فرصة للترفيع من نسب المشاهدة) وإنّما اكتفت أغلب وسائل الإعلام بنشر خبر المواجهات في بعض الاحياء بين «رجال الشرطة» والمحتجين. ولنا أن نفهم أسباب عزوف «الإعلاميين الفطاحل» عن مناقشة أسباب تكرّر الاعتداءات والممارسات المخالفة للقوانين وسياسات ضبط النفس إذ لا قيمة لخبر إذلال مواطن فهو خبر «عادي» ولا أهميّة لطرح هذا الموضوع أمام إبداء «الضيوف من العيار الثقيل» رأيهم/ن في قضايا «الساعة» في تونس، وأهمّها: العنوسة، وتعدّد الزوجات، واليومي من فقدان السكر والمحروقات...
ولا عجب أن لا يهتم رئيس الدولة بتعدد الانتهاكات فالانتقال من تدريس القانون إلى ممارسة الحكم له إكراهات تمليها السياسة التي تجعل «نصير الشبان» يغض الطرف عن سياسات الانتهاك واغتصاب حق الحياة ويبدو أنّ أصحاب القرار قد احترفوا الصمت والتبرير المبسّط فرجال الأمن يحمون الوطن والمواطنين من الخونة والأعداء والمعارضين للعدالة الاجتماعية....