ليقول لنا أن هذا العدد لا يتجاوز 150.000 فقط !! وقبل ذلك بيوم واحد أمضت النقابات مع وزارة التربية وثيقة الإطار المرجعي العام للتعلمات في إطار خطة إصلاح شاملة للمنظومة التربوية !!!
نعود إلى أرقام عدم الالتحاق بمقاعد الدراسة لنقول انه لا يوجد تناقض البتة بين الرقمين إذ أن 150.000 تلميذ لم يلتحقوا مطلقا بالدراسة بينما يشهد البقية (حوالي 250.000) غيابا جزئيا للإطار التربوي منذ شهر كامل والنتيجة أن حوالي %20 من تلاميذ الابتدائي والإعدادي والثانوي قد أضاعوا إلى حدّ الآن كليا أو جزئيا شهرا دراسيا كاملا ..
أي معنى ،في هذا السياق ،للحديث عن إصلاح تربوي يشمل البرامج والتعلمات والزمن المدرسي ؟!
هل نحتاج إلى مشروع جديد لإصلاح المنظومة التربوية حتى نوفر الحد الأدنى من شروط التمدرس الدنيا ؟ هل نحتاج إلى «خطة» للتعلمات حتى نوفر الإطار التربوي الكافي لكل التلميذات والتلاميذ في مدارس لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الكرامة لكل روادها؟ أي معنى للإصلاح إذا كانت الدولة عاجزة عن إنجاز عودة مدرسية مقبولة ؟ !
هل نحتاج الى المزيد من إهدار الوقت حتى نعلم انه لا إصلاح دون مدارس تكوين متخصصة للإطار التربوي ودون ضمان مستوى مرتفع من جودة هذا الإطار وجاهزيته لإحداث النقلة النوعية للمنتوج المدرسي وان هذا يستدعي خيارات أساسية في سلم التأجير يجعل مهنة المربي مهنة ذات جاذبية مرتفعة وهذا يعني تغييرا هاما في سلم أولويات الدولة انتدابا وتأجيرا حتى لا تخرج عن الحوكمة الرشيدة وعن ضرورة ترشيد الإنفاق العمومي والتحكم في كتلة الأجور ..
لو رمنا فعلا إصلاح المدرسة العمومية لبدأنا بهذا أساسا إذ دون توفير الشروط الدنيا للكرامة المادية والمعنوية لكل رواد المدرسة العمومية لا جدوى مطلقا من الحديث عن إصلاح البرامج والتعلمات .
من الخور أن تعتقد الوزارة أن تردي المستوى العام للتعليم العمومي إنما مرده المناهج والكتب المدرسية والزمن المدرسي ..التشخيص واضح وجلي إذ انه بنفس الكتب وبنفس البرامج وبنفس نوعية الإطار التربوي - إذا لم يكن الأمر دون ذلك -تحقق المدارس الابتدائية الخاصة نتائج ارفع بكثير من المدرسة العمومية والسبب في ذلك يعود فقط إلى الظروف المادية للدراسة مع إضافة تعليم اللغات منذ السنة الأولى ابتدائي في العديد من هذه المدارس .
لنكفّ عن النفاق والمراوغة: اذا أردنا تعليما عموميا ذا جدوى لابدّ من الانفاق عليه بما يستحق وأن نجعل من تفوق الغالبية الساحقة للتلاميذ والتلميذات غايته الأولى والأخيرة،ولا نقصد بالتفوق هنا النجاح في الامتحانات الوطنية بل القدرة على منافسة أفضل التلاميذ في العالم.
هذا هو الإصلاح التربوي الوحيد الجدير بشحذ همم كل المواطنات والمواطنين ولكن هذا يستوجب التشخيص السليم ورسم أولويات جديدة وفتح باب الحوار المجتمعي على مصراعيه ثم الانطلاق بقوة فيه بعد أن نكون قد هيأنا كل مدراس البلاد ووفرنا الإطار التربوي الجيد لكل التلاميذ.. أما ما سوى ذاك فيعتبر فرضيات وقتية وإصرارا على نفس الأخطاء.