الرئيس وتلويحه بتعديل القانون الانتخابي: أين الخطأ أفي النص القانوني أم في منهجية التشريع ؟

يستمر تعامل الرئيس مع كل ازمات البلاد او اية مشاكل تطرأ امامها من مقاربة قانونية تعتبر ان الحل يكمن دائما في «النص» الذي إذا

وضع او عدل او نقح يزول الاشكال، ويبدو ان هذا ليس امرا عارضا او ظرفيا بل هو جوهر الفكر السياسي للرئيس وهذا ما اكدته مرة اخرى كلماته عن القانون الانتخابي.
ففي لقائه مع رئيسة الحكومة مساء الجمعة الفارط تحدث الرئيس عن ما يعتبره «مسألة التلاعب بالتزكيات» في اشارة الى عملية تجميع التزكيات المطلوبة للترشح الى انتتخابات مجلس نواب الشعب في 17 ديسمبر القادم.
فقد شدد الرئيس على ضرورة تطبيق القانون الانتخابي الذي كلف الحكومة بصياغته في جويلية الفارط قبل ان يصدر في منتصف سبتمبر الفارط، وما يريده الرئيس هنا هو ان يطبق القانون لوضع حد للمال الفاسد. في ظل عدم لعب المجالس المحلية للادوار الموكولة اليها في مراقبة عملية التزكية.
وما يشير اليه الرئيس هو استعمال المال لشراء التزكيات التي يطالب بها كل مترشح وعددها 400 ليكون له الحق في الترشح للانتخابات التشريعية القادمة، معضلة اعتبرها الرئيس ناتجة بالاساس عن المال الفاسد وعن قصور المجالس المحلية والقصد المجالس البلدية التي لم تلعب دورها المطلوب ولم تحرص على تطبيق ما يحمله القانون الانتخابي من فصول ومبادئ.
اشكال قدمه الرئيس ولخصه في انه كان نتيجة التقاء عنصرين: المال الفاسد وبعض من الفاسدين في المجالس البلدية، والاشكالية هنا تتمثل في قيام بعض من المترشحين بدفع مبالغ مالية لتونسيين وتونسيات بهدف الحصول على تزكياتهم للترشح للانتخابات القادمة وهو شرط اساسي وضعه القانون امام من يعتزم الترشح.
اشكالية دفع اليها بالاساس نص قانوني غفل كاتبه عن ان وضع شرط التزكيات في ظل مناخ سياسي راهن وازمة اقتصادية يفتح الباب لا فقط لانتصاب سوق لبيع وشراء التزكيات بل لتجاوزات عدة اخرى ويبقى العلاقة بين السياسي والمواطن علاقة زبونية تحكمها النفعية والمصلحة الآنية. لتجاوز هذه الاشكالية يقترح الرئيس «تعديل» النص القانوني الذي لم يحقق هدفه.
وهنا يكشف الرئيس مرة اخرى عن ان نهجه في التعاطي مع كل ملفات البلاد ينطلق من مقاربة قانونية صرفة، وهذه المقاربة قدمها منذ ان كان مرشحا للانتخابات الرئاسية في 2019 باشارته إلى انه لا يقدم برنامجا انتخابيا ولا وعود بل أن ما يقدمه سيمنح الشعب ادواته القانونية لادارة الشان العام، وهذا ما طبقه منذ 25 جويلية 2021.
منذ ذلك التاريخ ظل الرئيس يقدم حلوله ومخرجاته لجملة الازمات التي تعيشها البلاد في شكل نصوص قانونية، الامر الرئاسي عدد 117، الدستور، قانون الشركات الاهلية والصلح الجزائي واخيرا قانون الانتخابات، وهي نصوص يعتبرها الرئيس كفيلة بان تمنح الشعب آليات لحل مشاكله واختيار السياسات التي يراها مناسبة.
هذه المقاربة التي تنطق من ان النص هو الكفيل بتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس، يصطدم بعقبة اساسية وهي محدوديته الناجمة عن المنهجية المتبعة في وضع النصوص. والتي يمكن اختزالها في القول بأنها منهجية اكاديمية.
ويبدو ان الرئيس لازال يحمل في ثنايا عقله السياسي ما راكمه من قواعد ومنهجية عمل اكتسبها في اشتغاله بتدريس القانون، وهو ما جلعه يميل الى وضع النصوص والتعامل معها بمقاربة اكاديمية تقليدية بحته تغفل عن ان النص الذي يقع صياغته سيكون لتنظيم حياة سياسية او اقتصادية او اجتماعية متحركة ومعقدة لا يمكن ادارتها بنص قانوني تشرعه السلطة دون استماع او تشاور واسعين اذ لم يكن القانون الانتخابي الراهن وتلميح الرئيس الى تعديله لتجاوز الازمة او الثغرة التي وجدت وتتعلق ببيع وشراء التزكيات، بل أن الدستور ذاته وقع في هذا الخطا ولجأ الرئيس الى تعديله بعد نشره كمشروع في الرائد الرسمي قبل ان يتضح له وجود اخطاء لغوية واخطاء رقن وبعض الفصول التي تحتاج إلى مراجعة وتنقيح.
المعضلة هنا ليست النص القانوني بل بالاساس في منهجية وضعه، فالنصوص القانونية أيا كانت مرتبتها هي نصوص لتنظيم جانب من جوانب الحياة المشتركة ووضعه لا يمكن ان يكون كوضع اسئلة امتحان، فاي نص قانوني يحتاج الى مناقشة تنطلق من تحديد الحاجيات والهدف منه وكيفية تطبيقه ومن سيطبقه قبل الذهاب مباشرة الى وضع النص الذي يتضح لاحقا انه غير ملائم او يعاني من ثغرات ونقائص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115