%9،1 نسبة التضخم في شهر سبتمبر 2022: من يوقف هذه الدوامة الجنونية ؟ !

أصدر المعهد الوطني للإحصاء اليوم نشريته الشهرية حول مؤشرات الاستهلاك العائلي والتي نجد فيها أن نسبة التضخم قد حققت رقما قياسيا جديدا ببلوغها %9.1

(باحتساب الانزلاق السنوي) وهي نسبة لم تشهد تونس مثيلا لها منذ حوالي ثلاثة عقود كاملة .
وعندما نلاحظ نسب التضخم في مختلف مجموعات المواد نجد أن نصيب الأسد ذهب إلى باب التغذية والمشروبات بـ%13.0 متبوعا بالأثاث والتجهيز المنزلي بـ%11.6 فالتعليم بـ%10.1 ثم الملابس والأحذية بـ%10.0 ويعود شعور المواطنين بالارتفاع الجنوني للأسعار إلى الغلاء المشط لبعض المواد الأساسية على غرار الدواجن (%27.4) والبيض(%25) والزيوت الغذائية (%21.8) والغلال الطازجة(%18.2) أي جملة من المواد الاستهلاكية الأساسية في حياة كامل العائلات التونسية .
لاشك أن جزءا من هذا التضخم يعود الى عوامل خارجية لا تتعلق بالمحروقات والمواد الأساسية فقط -جراء الحرب الروسية على أوكرانيا- ولكن أيضا بغلاء جلّ المدخلات والمواد المستوردة إضافة إلى التراجع الهام للدينار مقابل الدولار وذلك رغم تدخل الدولة للحدّ من آثار أسعار السوق العالمية خاصة في المحروقات والحبوب والمواد المدعمة ..

كما أن للتضخم عوامل داخلية /خارجية مردها ارتفاع كلفة عناصر الإنتاج في منظومات أساسية كاللحوم البيضاء والبيض وفي سائر السلع والخدمات خاصة بعد الترفيع المستمر في أسعار المحروقات على امتداد هذه السنة .

أن تجاوز التضخم للرقمين لم يعد مسألة نظرية بل أضحى الاحتمال الأرجح خاصة وان التضخم للأشهر التسعة الأولى من هذه السنة قد بلغ %7.8 وإذا تواصل على نفس هذا النسق فسيكون في حدود %10.4 وهذا يعني أن جموع التونسيين سيفقدون جزءا من قدرتهم الشرائية الحقيقية حتى بالنسبة للأجراء في القطاعين العام والخاص والذين تمتعوا بزيادات في الأجور خلال هذه السنة .

أمام هذه الوضعية قرر البنك المركزي مباشرة الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية بـ 25 نقطة أساسية (من%7.0 إلى %7.25) وهذا ترفيع بسيط ورمزي ولكن كيف سيتصرف البنك المركزي أمام هذه الدوامة الجنونية وهو المسؤول قانونا عن المحافظة على استقرار الأسعار خاصة وأن نسبة الفائدة قد تجاوزت الآن أكثر من نقطتين نسبة الفائدة في السوق المالية والتي أضحت الآن نسبة سلبية وانه لو حافظ على نفس هذه النسبة فقد ينجرّ عن ذلك تضخم نقدي إضافي.

مجلس إدارة البنك في وضعية لا يحسد عليها فلو حافظ على نسبة الفائدة الرئيسية فقط في حدود (%7.25 حاليا) لن يتمكن من وضع حد لهذه الدوامة التضخمية وإذا اخذ قرار بالترفيع بمائة نقطة قاعدية أو تزيد فقد يسهم في إجهاض الاستفاقة الضعيفة للآلة الاقتصادية بتعسير الولوج إلى التمويل بالنسبة للمؤسسة الاقتصادية كما سيثقل كاهل العائلات بفوائد إضافية على كل قروض الاستهلاك الجارية والقادمة .

ويعلم الجميع أن مقاومة التضخم ليست مسالة سياسية نقدية فقط بل هي أساسا سياسة اقتصادية تتعلق بالإنتاج والتسويق وبالعمل على الحد من العجز التجاري المزمن للبلاد .

من مفارقات الدهر أننا لم نسمع أي مسؤول كبير في الدولة وزيرة المالية أو وزيرة التجارة ولم نسمع لرئيسة الحكومة أو لرئيس الدولة الماسك بتلابيب كامل السلطة التنفيذية رأيا أو اقتراحات أو خطة للتحكم في التضخم خاصة وأن البلاد مقدمة على الرفع التدريجي للدعم على المحروقات والطاقة الكهربائية والمواد الأساسية ،أي على سياسية تضخمية واضحة تزيد في تفقير كل فئات المجتمع دون رسم أفق ملموس وعقلاني للخروج من هذه الدوامة .

قاعدة «كان الكلام من فضة يكون السكات ذهب» صالحة فقط في بعض وضعيات العلاقات الاجتماعية لا في سياسة دولة في مهب الأزمات .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115