التي مازالت رغم تقلصها تتسع لمثل هذا التمرين ولكن كذلك داخل أروقة الحكم ..وفي الحقيقة لسنا أمام نقاش بالمعنى المتعارف عليه للكلمة بل ازاء صمت متبادل مع تباين في الخلفيات والأهداف داخل أجهزة الدولة ذاتها.
مرسوم / قانون المالية لسنة 2022 اشتغلت عليه وزارة المالية حتى قبل تشكيل حكومة نجلاء بودن وهو يتأسس بوضوح على ضرورة اتفاق مع صندوق النقد في أفق لا يتجاوز الثلاثي الأول من هذه السنة بل وقد ضمّن قانون المالية لهذه السنة حصول تونس على أكثر من مليار دينار من الصندوق بعنوان سنة 2022.
ونعلم جميعا أن الحكومة قد تقدمت لخبراء الصندوق بمشروع برنامج إصلاحي يتضمن التزامات قوية من الدولة التونسية قصد إتمام هذا الاتفاق والبداية في إنجازه .
الواضح والجلي أن الغاية الأساسية بالنسبة للحكومة من وراء هذا الاتفاق إرجاع ثقة الشركاء الدوليين والمستثمرين الأجانب في الوجهة التونسية وان البلاد مقدمة على خطى جريئة القصد منها إحكام سيطرتها على توازناتها المالية وخلق شروط الخروج الجزئي من تفاقم التداين الذي يهدد استدامته .
لقد اعتقدنا في الأشهر الأخيرة أن العائق الوحيد أمام عقد هذا الاتفاق هو عدم انخراط المنظمة الشغيلة فيه ومعارضتها لتوجهاته الأساسية،ولكن يبدو أن الواقع على غير هذا التوصيف .
لقد عبّر مسؤولون سامون في صندوق النقد منذ بضعة أشهر عن أن موافقة اتحاد الشغل لم تعد شرطا ضروريا حتى وان كانت مطلوبة دائما ومحبذة ..ولكن هنالك شرط ضروري تم التعبير عنه بصيغ مختلفة على امتداد هذه الأشهر الأخيرة وهو: ما دمتم قد قدمتم برنامجا للإصلاحات فانطلقوا فيها إذن ولا تنتظروا إبرام اتفاق مع الصندوق .. وما لا يقال وبوضح في هذا الشرط هو التالي: ما دمتم لم تنطلقوا في تنفيذ الإصلاحات التي تعدون بها فهذا يعني أنكم غير جديين في ملف الإصلاح وأنكم تبحثون فقط عن تمويلات الصندوق دون التقيد بالالتزامات التي وضعتموها بأنفسكم ..ودليل جماعة صندوق النقد في هذا هو بداية الترفيع الشهري في أسعار المحروقات ثم التوقف كلية عن ذلك منذ أفريل الماضي والسبب واضح في ذلك وهو أولوية الحسابات السياسية (استفتاء ودستور واليوم انتخابات تشريعية في الأفق) على الاستحقاقات المالية والاقتصادية .
صندوق النقد لا يستخلص المعنى السياسي لهذا التعثر لان ذلك لا يعنيه ولا يدخل البتة في مجاله المخصوص ولكن الواضح بالنسبة للجميع أن الحكومة تريد الذهاب نحو اليمين (دون اي مضمون سياسي لهذه الكلمة) ورئيس الجمهورية يريد الذهاب نحو اليسار والنتيجة هي مراوحة في نفس المكان والاكتفاء بترديد أفكار ومواقف متناقضة في جوهرها بين الحكومة والرئاسة دون أن تجرؤ الحكومة رئيسة ووزراء عن الإفصاح عن هذا التناقض الهيكلي الذي يشق اليوم دماغ السلطة التنفيذية .
رئيس الدولة لم يفصح بوضوح عن رأيه في كل هذه المسائل ولكننا نعلم انه أمضى على قانون / مرسوم المالية لسنة 2022 على مضض وانه يقول لكل زائريه،وآخرهم الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، أنه ليس مستعدا لرفع الدعم او للتفريط في المؤسسات العمومية بما يوحي بأنه غير متحمس بالمرة لبرنامج الحكومة وانه مستعد فقط لعقد اتفاق مع صندوق النقد دون شروط اقتصادية ومالية واجتماعية وبما أن مشروعه السياسي هو الجوهري بالنسبة اليه فانه لن يعرضه لهزات إضافية نتيجة قرارات غير شعبية فيها رائحة الاملاءات الأجنبية ..
في المحصلة تراوح الدولة التونسية مكانها بما يجعلها فاقدة لكل قدرة على انتهاج سياسة واضحة ذات اليمين أو ذات الشمال ..وفي الأثناء تزداد الأوضاع ترديا وتتراجع القدرة الشرائية لعموم التونسيين وتتكثف الغيوم في سماء البلاد .