التي تقيد يدها وتحول بينها وبين الفعل وتنفيذ خططها الاصلاحية.
فقد وجدت رئيسة الحكومة نجلاء بودن نفسها يوم الثلاثاء الفارط وهي تتلقى تعليمات واضحة وصريحة من الرئيس رسمت لها طريقها في ادارة الشأن العام وخاصة في الملفين الاقتصادي والاجتماعي، والاهم من هذا انها استمعت إليه وهو يحمل حكومتها بشكل غير مباشر مسؤولية الفشل في ادارة جملة من الملفات، وذلك ما تكرر يوم امس في لقاء الرئيس بوزيرة التجارة.
وقد دار الحديث بينهما وفق بلاغ الرئاسة عن سير المرافق العمومية والاستعدادات الجارية للعودة المدرسية والجامعية كما تم التطرق الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الى جانب تذكيرها بأنهما من أهم الركائز التي يقوم عليها الدستور الذي يعمل من اجل تحقيق العدل الاجتماعي.
وهنا يمكن الانتقال مباشرة الى خاتمة البلاغ اين نجد الجزء الذي اثار فيه الرئيس ملف الاحتكار والمضاربة ليحمل وزارة التجارة «المسؤولية كاملة في تطبيق القانون» اذ يبدو ان الرئيس يعتبر ان حكومته ممثلة في وزارة التجارة لم تنجح في مقاومة ظاهرة الاحتكار ولا في منع اختفاء بعض البضائع الحيوية من الاسواق رغم توفرها في مخازن المحتكرين والمضاربين.
ادانة الرئيس لحكومته تنطلق من ان لوزارة التجارة كلّ الوسائل القانونية للقيام بدورها ومنها المرسوم عدد 14 لسنة 2022 المؤرّخ في 20 مارس 2022 والمتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة والذي قال عنه الرئيس انه «لم يوضع للنشر بالرائد الرسمي ولكن لتطبيقه على الجميع وعلى قدم المساواة».
هذا الخطاب الذي استمعت اليه رئيسة الحكومة، وبعد يومين استمعت إليه وزيرة التجارة، وفق بلاغات الرئاسة وضع بودن مرة اخرى امام اكبر مخاوفها، وهي ان تجد نفسها وحكومتها مغلولي الايادي بالقيد الذي يحد من حركتها وهو «سياسة الرئيس»، فرئيس الدولة الذي قيّم ان سبب نقص جملة من المواد في السوق ليس لتوقف عملية تزويد السوق من قبل الدواوين التي تشرف عليها الدولة بل احتكار بعض التجار للسلع والمواد التي تحتكر الدولة عملية استيرادها.
اختزال الرئيس لازمة تزويد الاسواق ببضائع وسلع في الاحتكار هو القيد الذي يضعه الرئيس حول يد حكومته اذ ان هذا الاختزال يكشف عن تقديم الاولويات السياسية على الاقتصادية والاجتماعية او عن محاولة إدارة الشان العام في ظل مقولات «الصراع/ الحرب» التي تبرر بعض اخفاقات السلطة التنفيذية في ضمان حسن سير سلاسل التزويد وتحميل الامر لأطراف خفية متآمرة.
ان هذا الاختزال يكشف في طياته عن الدور الذي يريد الرئيس لحكومته ان تلعبه والاهم أنه يبين لها بشكل واضح حدود المساحات التي تتحرك فيها وعلى ارضها، ويبدو ان هذا سيشمل لاحقا بعضا من بنود خطة الاصلاحات الكبرى.
فالرئيس حينما اختزل الازمة في الاحتكار رسم اولوية حكومته وهي ان تنصرف الى مصارعة خصم تشكلت عنه صورة مبالغ فيها بهدف تفسير كل شح يصيب السوق، ولكنه في الحقيقة ليس «الخصم» المسؤول عن هذا الشح، اذ ان دواوين الدولة على غرار ديوان الحبوب او ديوان الزيت او ديوان التجارة مسؤولة عن تزويد السوق بمواد كالقهوة والأرز والسكر عبر استيرادها وهي تعاني اليوم من ازمة سيولة نقدية تمكنها من الايفاء بتعهداتها مع مزوديها وهذا ما ادى الى ان تتعثر عمليات الاستيراد او ان تتاخر مما اثر في النهاية على سلسة تزويد السوق بهذه المواد.
ازمة السيولة تتضح بشكل جلي ايضا في ملف وكالة التبغ والوقيد التي تواجه اليوم خطر الدخول الى البطالة التقنية بسبب توقف عمليات تزويد الوكالة بمنتجات اساسية في عملية التصنيع ومنها قطع الغيار الخاصة بآلاتها، ومصدر هذا الخطر هو عدم تحصل الوكالة على سيولة نقدية تمكنها من ضمان عمليات التزود وحسن انتظامها بعد ان باتت مداخيلها توجه مباشرة الى خزينة الدولة منذ سنتين. اي ان الازمة هي في الاساس ازمة سيولة نقدية اصابت هذه المنشأة العمومية المسؤولة عن تزويد السوق بسلع وبضائع تحتكر الدولة عملية استيرادها وتوزيعها بالاساس، وهذا ما ادى الى ان يصيب السوق شح في البضائع المعروضة، وليس الاحتكار هو السبب الاصلي، وان كنا هنا لا ننفي التاثيرات السلبية للاحتكار والمضاربة على السوق.
وفي هذه الاوضاع يبدو ان الدولة واجهزتها هي التي تسببت في شح المواد وهذا بدوره نتيجة لتفاقم ازمة المالية العمومية.