وزارة الداخلية وروايتها لأحداث الجمعة: تبرير العنف في قبح ممارسته

يبدو اننا في تونس لازلنا في حاجة الى ان نفتح النقاش العام بشأن القوات الامنية من مقاربة تبتعد بنا عن الاصطفاف او التخندق السياسي او القطاعي لنصل الى مشترك يجمعنا كتونسيين

في علاقة بهذا الجهاز المكلف بحماية امننا كمجتمع وأفراد وحماية ارواحنا وممتلكاتنا الخاصة والعمومية.

نقاش فرضه الجدل الذي رافق احداث يوم الجمعة الفارط أساسا، والعنف الذي تعرض له محتجون ومحتجات من قبل عناصر امن تعمدوا اهانة تونسيين وتونسيات وإخضاعهم لسطوتهم بعنف وقوة غير مبررة، بحث بعضنا عن تبريرها او ايجاد ما يفسرها لان في ذلك ما يرفع عن الشق الذي اصطف فيه الحرج
حرج يفهم بالعودة الى الصور التي نشرت خلال الساعات الفارطة والمتعلقة بكيفية تعاطى قوات الامن مع المحتجين وهي صور تدفع الى استحضار ذكريات اوقات عصيبة عاشتها تونس والتونسيين سواء قبل 2011 او بعده. صورة لعنف الدولة المفرط ضد مواطنيها.
الصورة التي نشرت وتم اعادة نشرها بكثافة عبر صفحات التواصل الاجتماعي وبالأساس على شبكة « فايسبوك « قدمت بعضا مما تعرض له المحتجون من قوة مفرطة وإهانات متعمدة صدرت عن اعوان الامن المكلفين بتامين الاحتجاج.

صور كشفت عن تعمد اعوان امن ان يستهدفوا المحتجين وخاصة منهم الوجوه البارزة التي كانت تقود التحرك الاحتجاجي ليوم الجمعة الفارط، سواء بتوجيه الغاز الى وجوههم بشكل مباشر يراد منه ان يلحق بهم الاذى والضرر. او بتعمد توجيه ضربات الهراوات الى الرؤوس والجر من الشعر والإهانة اللفظية والجسدية لكل من وقع تحت طائلة أيادي اعوان الامن، سواء ممن ارتدوا زيهم الوظيفي او كانوا بدونه واندمجوا مع المحتجين.

صورة قدمت ذات السلوك العنيف وكشفت ان عقيدة قوات الامن القائمة على حماية نظام الحكم لم تتغير كما لم يتغير سلوكها في التعاطي مع المحتجين عما كانت عليه قبل الثورة او بعدها سواء في السنوات العشر الاولى او في سنة الاستثناء وحكم الرئيس قيس سعيد للبلاد بحكم التدابير الاستثنائية والأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021.

صور للاسف لم تكن كافية لان يفتح نقاش عن اهمية اصلاح منظومتنا الامنية واعادة صياغة العقيدة الامنية للقوات الحاملة للسلاح لتكون منسجمة مع تونس ما بعد 2011 ومستبطنة لحقيقة ان التونسيين مواطنون لا رعايا او موضوعات لممارسة التسلط او الاهواء من اي جهة كانت.
وقد انحرف النقاش العام الى تفاصيل اخرى تتعلق بان المحتجين استفزوا اعوان الامن او ان هناك مخططا ومؤامرة وغيرها من الحجج التي تسقط دون حاجة لبيان تهافتها، بما في ذلك للاسف بلاغ وزارة الداخلية التي زادت الطين بلة حينما ارادت ان تدافع عن نفسها باستعمال حجة ان المتظاهرين هم الذين بادروا باستفزاز اعوان الامن وحاولوا ازالة الحواجز الحديدية التي تؤمن محيط وزارة الداخلية.

حجج قدمتها الوزارة في بلاغها الصادر صباح امس السبت ورافقته بتسجيل فيديو يؤكد ما تقدمه من حجج تعتبرها كافية لتبرر استعمال القوة المفرط او الانحراف الخطير الذي برز في سلوك اعوانها لدى تعاملهم مع المحتجين. وكان الصور تكفي لتبرر بالنسبة للوزارة تعمد اعوانها اذلال مواطنين وإهانتهم المتعمدة بألفاظ نابية وبعنف مفرط يكشف عن تورط عاطفي لاعوانها واصطفافهم في خندق يعتبر الاخر عدوا.

الصور التي حملت مشاهد مخجلة ومؤلمة لكيفية تعاطي اعوان الامن مع الاحتجاجات ومع تونسيين وتونسيات وسحلهم وجرهم في الشوارع وتعنيفهم المتعمد والذي يكشف عن نزعة لا يمكن اعتبارها طبيعة في سلوك اعوانها كما لا يمكن ان تبرر بقول الوزارة انها طبقت القانون او انها ستلاحق من انحرف من اعوانها واتى سلوكا فرديا.

فالصور تكشف اننا لسنا امام سلوك فردي على الاقل بل اما سلوك مجموعة واسعة من الامنين كانت منغمسة في استعمال مفرط للقوة لا يهدف الى حماية مقر الوزارة ولا الى تامين الممتلكات بل الى زرع الخوف والرعب في قلوب جزء من التونسيين اعتبرهم الاعوان «اعداء» يمكن معاقبتهم وإذلالهم دون خوف من المحاسبة.

ممارسة اعوان الامن وتعمدهم ان يكون العنف الممارس من قبلهم غاشما وموجها بشكل مباشر وقصدي لا يمكن القول انه «انحراف» او خطاء فردي فهذه الحجة استعملت طوال السنوات الـ11 الفارطة من قبل كل من حكم البلاد، ولم تعد مقبولة ولم تكن كذلك.
لذلك إذا اردنا ان نناقش ما حدث يوم الجمعة الفارط وان يكون نقاشنا بهدف الاصلاح والتأسيس لا يمكن ان يكون نقاشنا منحصرا في ان كان اعوان الامن هم من بادروا بالفعل او كانوا في اطار رد الفعل كما تخبرنا وزارة الداخليه فالانطلاق من تلك النقطة يسيء لقواتنا الامنية قبل ان يدافع عنها.
فما تقدمه الوزارة في بلاغها الاعلامي عن احداث يوم الجمعة للاسف يقدم اعوان الامن كمجموعة من الهواة غير القادرين على ضبط النفس ولا الالتزام بالخطط الامنية او التعلميات، بل هم مجموعة من الافراد الانفعاليين المنخرطين عاطفيا عوضا عن كونهم «اعوان امن» وقع اعدادهم بدنيا وذهنيا لأداء مهمتهم وهي تامين المحتجين والممتلكات دون «تورط عاطفي» مع الاحداث ينجر عنه الوقوع في سياسات رد الفعل.

هذا ما يقدمه بلاغ الوزارة او محاولات البعض تبرير ما حدث. وهذا اسوء بكثير مما يظنه البعض. اذ ما يقدم هو عبارة عن اعلان اننا نبتعد يوما عن يوم من ان نؤسس جهازا امنيا عقلانيا منضبطا وفعالا له مهام وادوار محددة ومرسومة بدقة لا يسمح بالانحراف عنها تحت اي ظرف او طارئ. جهاز امني عقيدته حماية التونسيين وممتلكاتهم وحرياتهم الفردية والعامة وليس جهازا عقيدته خدمة من يحكم على حساب التونسيين وكرامتهم.

اذ اردنا ان تتسع لنا تونس وان يكون غدنا افضل من حاضرنا او ماضينا فعلينا ان نتوقف عن البحث عن مبرر لما لا يبرر ومن ذلك العنف المفرط لقوات الامن وإفلات الجناة من العقاب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115