والذي جاء متزامنا مع جملة من التطورات يبدو انها نتجت عن وساطات داخلية وخارجية.
وسطات قد لا تظهر في الصورة بشكل جلي لكن اثارها باتت واضحة وصريحة، فالاتحاد العام التونسي للشغل الذي صعد في الاسابيع الاخيرة من جوان الفارط في حدة موقفه تجاه السلطات ووزع مساره التصعيدي الى جزءين، الاول خص به الحكومة وخطتها الاصلاحية و الثاني سياسي يتعلق بالمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية منذ 25 جويلية 2021.
والتطور هنا يتضح في المسار السياسي ولو بشكل غير صريح ومباشر، فالموقف الذي تبنته الهيئة الادارية في بيانها الصادر في 2 جويلية الجاري كان مزيجا من اعلان رفض لمشروع الدستور والتحفظ بشأن اغلب الفصول المتعلّقة بالحريات والحقوق التي يعتبرها الاتحاد في بيانه مهددة من قبل الدستور نفسه خاصة عند الممارسة والتأويل.
ليست الحريات فقط محل الانتقاد من قبل بيان الهيئة الادارية بل ما يعتبره الاتحاد تجميعا كبيرا للسلطات وتركيزا واسعا للصلاحيات لدى رئيس الجمهورية وغيابا لتسقيف المواعيد الانتخابية وتحجيما لباقي الهيئات الدستورية وهياكل الدولة وغيرها من العناصر التي وصفها بـ«الغامضة أو الملغَّمة» والتي قال ان شأنها أن تهدّد الديمقراطية.
ورغم الاقرار بكل ما سبق من تحفظات الا ان بيان الهيئة الادارية اختار ان يترك حرية الاختيار لمنخرطيه وان يقرروا ما يرونه مناسبا في تصويتهم والسبب الذي علّل به الامر هو ان التنوع في المواقف داخل المنظمة قاد الى خيار ترك حرية المبادرة.
خيار لم يعلن دون التذكير بمواقف الاتحاد من 25 جويلية 2021 وموقفه النقدي الباحث عن الضغط من تعديل المسار وضمان حوار حقيقي يمكنه ان يجعل من المرحلة الراهنة مرحلة مراكمة وإخراج البلاد من الأزمة .
موقف اختار فيه الاتحاد بعد ان صعد من حدة لهجته واعلن على لسان المتحدث الرسمي له سامي الطاهري انه سيتخذ هذه المرة قرار وانه سيوجه توصيات لمنخرطيه اما بالتصويت بنعم أو لا، وشرح الامر على ان اللحظة تفرضه، لكن هذا بات من الماضي.
والماضي يحمل في طياته اسباب تفضيل الاتحاد لعدم الذهاب الى الاقصى في خياره فهو يحمل جهود وساطة قادتها حركة الشعب إذا تعلق الامر بالوساطات الداخلية، وهي جهود وان كانت الحركة تتجنب الافصاح عنها الا ان من تتبع الاثر يكشف عن دور الحركة في ايجاد مناخ هدنة او ارضية يقف عليها الخصمان اليوم، اتحاد الشغل والرئيس.
ارضية استقرت اكثر وتعززت في الجزائر في الزيارة الاخيرة التي أداها رئيس الجمهورية قيس سعيد والامين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي اللذين التقاهما الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بشكل منفصل. وصمت كلاهما عن الخوض في تفاصيل اللقاء إذا تعلق الامر بوجود محاولات لايجاد ارضية يلتقي فوقها الرجلين.
ارضية لم تتضح بعد ملامحها ولا الافق الذي ستقود اليه ولكن الجلي ان جهود الوساطة مع موازين القوى على ساعدت على ان توفير مناخ لمفاوضات تنهى حالة الصراع المفتوح وتؤسس لتوافق جديد يجمع الاتحاد برئاسة الجمهورية يبدو انه لا يتعلق بمصير الدستور بل بما بعد 25 جويلية ومستقبل البلاد في ظل توزان ونظام دستوري مختلف عما كان عليه الامر منذ 2015.