رسالة الرئيس ومذكرته التفسيرية: تمسك بالبناء السياسي ورفض لتعديل المسار

اختار رئيس الجمهورية ان يجعل من المذكرة التفسيرية الملزم بنشرها مع مشروع الدستور بيانا ورسالة توجه بها الى التونسيين ليدافع عن مشروعه

ويجيب على من انقتدوه لعل في ذلك ما يساهم في استجابة التونسيين لدعوته.
رسالة كانت منذ بدايتها وفي العنوان محملة بالرمزية ومثقلة بها، اذ اختار الرئيس ان يكون عنوان رسالته «للدولة وللحقوق والحريات دستور يحميها وللشعب ثورة يدفع عنها من يعاديها» وهو عنوان بمثابة رابط وعملية تشبيك لمسار الثورة ومسار 25 جويلية.
ربط كشف عنه الرئيس الذي و بعد ديباجته التي ذكرت بما جد في السنوات العشر وبمقولاته السابقة عن الانحراف بأهداف الثورة ومطالب الشعب وكيف ان 25 جويلية كان استجابة «للواجب المقدس» و«للمسؤولية التاريخية». اشار الى ان مشروع الدستور الذي يقترحه على التونسيين يعبر عن «روح الثورة» وهو نتاج مسار تصحيح الثورة الذي انطلق في 25 جويلية.

لهذا الربط والمزج بين المسارات ما يبرره في رسالة الرئيس، فهو يدافع عن مشروع الدستور ويرغب في ان يقدمه كنتاج للثورة ولو عبر مسار تصحيحي «يستجيب لمطالب الشعب» والقصد هنا ان الرئيس حرص على العودة لجوهر الثورة ولشعارها الاساسي «الشعب يريد» من خلال تعديله للمسودة التي قدمها له رئيس الهيئة الصادق بلعيد.

حرص يلتقى مع تضمين الرسالة ردود صريحة ومباشرة عن الانتقادات التي وجهها العميد السابق الصادق بلعيد رئيس الهيئة التي كلفت بصياغة مسودة مشروع الدستور واستاذ القانون الدستوري الامين محفوظ الذين اعتبرا ان النسخة التي نشرت في الرائد الرسمي «لا تلزمهما» ولا تقترب من المشروع الذي اقترحاه على الرئيس.

تبرؤ استاذي القانون الدستوري اللذين كان صحبة العميد محمد صالح بن عيسي من خاصة الرئيس وممن يلتقون معه بشكل دوري للتشاور والبحث عن المخرجات القانونية والدستورية لمسار 25 جويلية دفع بالرئيس الى ان يردّ على اتهاماتهما له واحدة بواحدة.
ففي مستهل دفاعه خصص الرئيس حيزا من رسالته للقول ان مشروعه المعروض على الاستفتاء يمنح السلطة للشعب ويقدم له الآليات القانونية للتعبير عن ارادته عبر نظام سياسي يوفر مجالا واسعا للمشاركة في الحكم والقرار، وذلك عبر آلية مجلس الجهات والأقاليم والذي سيوفر فرصه لمن تم تهميشهم للمساهمة في وضع النصوص القانونية لإخراجهم من دائرة التهميش وضمان ان تكون السيادة لصاحبها وهو الشعب. وهنا فان المشروع يحقق «الارادة الشعبية» ويستجيب لها.

العودة للشعب ومنحه السلطة وآلياتها لا يعبر فقط عن «روح الثورة» في دفاع الرئيس عن مشروعه بل يوفر ضمانة اساسية لاي بناء ديمقراطي وهي الحلول دون المس من الحقوق والحريات، فهي مضمونة ومحمية طالما ان «الشعب» صاحب السيادة سيكون جزءا من منظومة الرقابة والحماية.
منظومة تقوم على الشعب بشكل اساسي، فهو الذي سيعبر عن ارادته عبر من يختارهم لصياغة النصوص القانونية وتمريرها في المجلسين، مجلس النواب ومجلس الجهات، وطالما ان هذين المجلسين يعبران عن الاغلبية فان هذا وفق حجج الرئيس وتقديمه كاف لضمان الحريات والحقوق.
وإذا كان هذا غير كاف فان المحكمة الدستورية ووفق تركيبتها المقترحة التي ستكون بعيدة وفق الرئيس عن الحسابات والولاءات هي جدار الصد الاخير في منظومة الرقابة القانونية. هذا التسلسل في عرض آليات المراقبة يقدمه الرئيس كاجابة عن الانتقادات التي وجهت الى البناء السياسي ومنظومة الحكم التي صاغها في مشروع الدستور وهي انتقادات قامت على ان تجميع السلطة بيد «رجل واحد» وهو هنا الرئيس سيكون اعلانا عن انهاء التجربة الديمقراطية في تونس وإيذانا بمرحلة جديدة تقوم على الاستبداد.

هنا وفي الرسالة او المذكرة التفسيرية يشدد الرئيس على ان من يتهمه بارساء منظومة استبداد هو «مدّع» ومفتر بل ولم ينظر في مضمون النص المقترح الذي يعتبره الرئيس اضافة الى ما سبق من منح السلطة للشعب باختيار من يمثله فقد منحه صلاحية سحب الوكالة من ممثليه إذا انحرفوا بالتكليف عن مساره.
ومن يقول بان مشروع الدستور يؤسس للاستبداد مفتر لانه لم يستوعب أن ما يقترحه المشروع في علاقة بالحكمة الدستورية من صلاحيات ومن اليات لتحديد تركيبتها، وهي بالمناسبة وفق المشروع صلاحية مراقبة دستورية القوانين التي ستصادق عليها الغرفة التشريعية بمجلسيها فقط، اما عن التركيبة فهي بالتعين وهو محصور في القضاة دون غيرهم وهذا ما انتقد عليه المشروع لانه ينسف مبدأ استقلالية المحكمة ويحصر مجال عملها وصلاحيتها التي لا تشمل رقابة السلطات.

دفاع الرئيس هنا عن ان منظومة الحكم التي رسمت في المشروع الجديد يشمل اعتبار حصر حق الترشح لرئاسة الجمهورية في دورتين دليل عن ان نظام الحكم لا يؤسس للاستبداد وعليه فان من يقول بذلك فهو مفتر حتى وان كان الرئيس نفسه وفي دفاعه تجنب الخوض في الحصانة التامة والمطلقة التي منحت للرئيس ومنع مساءلته او مراقبة اعماله كما انه لم يشرح سبب هذه الحصانة ولا الهدف منها هو فقط اعتبر من ينتقد مشروعه مفتر ويجانب الحقيقة.

هذه الرسالة التي انتهت بالدعوة الانقاذ الدولة من الهرم وتحقيق اهداف الثورة وانهاء حالة البؤس والتجويع والارهاب والظلم، جاءت لتدافع عن النظام السياسي فقط دون غيره وهو النقطة التي يبدو انها تعتبر اساسية ومهمة بالنسبة للجهة المبادرة بمشروع الدستور وهي هنا رئاسة الجمهورية.
فالانتقادات التي طالت المشروع لم تقف عند نقطة النظام السياسي ولا عن تجميع الصلاحيات بيد واحدة ولا عند ترسيخ بناء قاعدي بل شملت التهديدات الجدية للحريات والحقوق العامة والفردية واللبنة الاولى لبناء قانوني سيفرض على الفضاء العام والخاص الانضباط للنص الديني والاخلاقي الذي ستكلف الدولة وحدها بحمايته والعمل على تحقيقه.

الرسالة هنا كشفت بشكل أساسي عن أن الرئيس كان أشد حرصا على الدفاع عن بنائه السياسي منه عن بناءه الدستوري العام وإن كان ظاهر نص الرسالة/المذكرة يعلن الدفاع عن مشروع الدستور. نص يعلن ان المسار الذي انطلق فيه الرئيس ورسمه مستمر وان امكانية تعديل النص المعروض او تعديل المسار مستحيل طالما ان الرئيس يعلن صراحة بانه ماض الى النهاية دون تراجع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115