التي تأخرت ومع تأخرها بتنا قاب قوسين او ادنى من انهيار كل توازناتنا المالية.
اشهر طالت قبل ان تقدم الحكومة خطتها الاصلاحية في مناسبتين يومي الجمعة والثلاثاء الفارطين، وتعلن انها اشتغلت عليها بعد مباشرتها لمهامها في اكتوبر 2021 وجنّدت من اجلها 400 اطارا ساميا من الادارة التونسية. لتنتهي بصياغة خطة اصلاحات قدمتها في وثيقة من 70 صحفة نشرت منذ السبت الماضي على صفحة رئاسة الحكومة بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك.
ذات الوثيقة كانت محور الندوة الصحفية التي شارك فيها 13 وزيرا من حكومة بودن، من اجل تقديم الاصلاحات الكبرى التي قال اصحابها أنها بنيت على « مقاربة شمولية وتدريجية تعمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير ووضع اسس متينة لنمو إدماجي ومستدام على المدى المتوسط والطويل باعداد مخطط تنمية 2023 - 2025 وبلورة رؤية تونس 2035 وذلك عبر اعتماد تمش إصلاحي مبني على جملة من المبادئ والقيم واعتماد مقاربة تشاركية مبنية على التشاور مع مختلف الأطراف الاجتماعية وبمشاركة موسعة لأكثر من 400 إطار سام من كفاءات الإدارة التونسية».
هذه العبارات وغيرها تتكرر كثيرا سواء في الوثيقة او في تصريحات الوزراء الذين من بينهم وزيرة المالية ووزير الاقتصاد وجل الوزراء المعنيين بالملف الاقتصادي بتشعبه. وتقطعها أحيانا بعض الارقام او النسب والمؤشرات الاحصائية التي لم تكن مجهولة من قبل، سواء منها نسب النمو المسجلة في السنوات العشر الفارطة او نسب العجز في الموازنة او نسبة التداين وغيرها من النسب والمؤشرات التي تقدم صورة عامة عن وضعنا الاقتصادي والمالي الصعب.
مؤشرات تقدم فقط إذا تعلق الامر بتقييم الوضع الذي ورثته حكومة بودن وتكتفى بها في وثيقتها الاصلاحية التي حملت عنوان «خطوط عريضة» او في تصريحات وزرائها التي لم تذهب الى ابعد من انها قيمت الوضع الراهن وكشفت عن النوايا الطيبة في مساعي انقاذ البلاد من الانهيار المالي والاقتصادي.
خطر تدرك الحكومة قبل غيرها انه محدق بالبلاد واقرب اليها من حبل الوريد وان مؤشرات دنوه تتضاعف مع اهدار الوقت في «البلاغة» التي اعتمدتها الحكومة في تقديم خطتها للإصلاحات الكبرى بدل تقديم الارقام والمؤشرات وجدول التنفيذ ومصادر التمويل والعائد المحتمل او التكلفة المفترضة ومصدرها في جلّ بنود خطتها الاصلاحية، فدون هذا لا تستقيم اية خطة اصلاح او اي خطة من اي نوع.
خطة اصلاحية إذا أمعنّا النظر فيها ستكتشف عملية استنساخ مخطط الاصلاحات الكبرى الذي قدم في 2015 وفي غيره من المناسبات اللاحقة وأخرها قانون مالية 2022 الذي جسد بشكل كلي مقاربة الحكومة في التعامل مع الملف الاقتصادي والمالي والاجتماعي للدولة التونسية من مقاربة «الجابي» الذي يتحرك في حدود ضيقة لا تتجاوز تعديل نسب «الجباية والضرائب» بالزيادة او بالنقصان.
فلسفة قائمة على «اصلاحات جبائية» وتعديل نصوص قانونية وإعلان نوايا تأمل الحكومة في أن تحقق إصلاحا لا يرجى منه تغيير منوال تنمية تقول الحكومة عنه قبل غيرها انه تآكل ولم يعد قادرا على اضافة القيمة او خلق الثروة . بل يكتفى بخفض نفقات الدولة بإصلاحات تهدف الى التحكم في كتلة الاجور وحجمها عبر وقف الانتداب وتجميد زيادة الأجور وإعادة توزيع الموظفين. دون اغفال خطتها لإصلاح صندوق الدعم وخفض كلفته تحت شعار توزيع الدعم لمستحقيه.
خطة لا تحمل غير النوايا الطيبة في افضل الأحوال ولا تهدف إلا الى تجميل الواقع الراهن عبر اصلاحات محدودة وشكلية بدورها تواجه عقبات عدة، فهي اصلاحات لا تساعد على انعاش الاقتصاد ولا خلق حركية تسمح بخلق النمو الذي تغيب محركاته الفعلية في خطة الحكومة الاصلاحية التي اقتصرت على نوايا وخطوط عريضة غير مفصلة.
خطة لا يمكن ضعفها الفادح في انها محل رفض من اتحاد الشغل بل في انها لا تغادر مربع الازمة الاصلي. وهو ان الصندوق الذي اغلقنا على انفسنا صلبه ولم نغادره منذ 40 سنة لم يعد صالحا في يومنا الراهن. لا فقط في تونس بل في كل الدول التي تعيش ذات وضعنا او عاشته قبلنا وغادرته حينما غادرة صندوقها الضيق والبالي واستحدثت منوال تنمية جديد يتماشي مع خصوصيات كل بلد على حده.
منوال تنمية لا يبدو ان الحكومة بحثت عن تغييره حينما قدمت تصورها لتونس في افق 2035 الذي لم تكشف لنا بشأنه عن غير النوايا الحسنة عبر اسلوب بلاغي يحول دون تقييم فعلي للإصلاحات ومعرفة الافق الذي تمنحه لتونس وللتونسيين.