الاتحاد سيقدم مشروعه البديل وحملة انصار الرئيس تشتد ضده: طبول الحرب الكبرى تقرع

يبدو ان اية محاولة لتفسير ما يحدث في البلاد بعد كل هذه التطورات ستكون كمن «يفسّر الماء بعد الجهد بالماء». فالمشهد التونسي بات على قتامته شديد الوضوح.

فهو اشبه بحرب الكل ضد الكل وهي حرب لا يمكن لأحد الفوز فيها في ظل تداخل المعطيات.

خلال الساعات الفارطة سجلت تصريحات صحفية جديدة سواء من الناطق الرسمي باسم الحكومة او من قبل الماسكين اليوم بلجان الهيئة الاستشارية من اجل جمهورية جديدة او من قبل قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل، هذه التصريحات التي اختلفت محاورها ومضامينها حملت اما اعلانا عن «النوايا» ان تعلق الامر بمشروع الحكومة الاصلاحي او فلسفة الدستور القادم وفكر من سيكتبه او مبادرة شاملة توحد المسارات بالنسبة للاتحاد.

مشهد عام باتت كل احداثه والتحركات فيه تقودونا الى وجهة باتت معلومة منذ فترة، وهي القطيعة الكلية بين السلطة وباقي مكونات المشهد السياسي والجمعياتي التونسي التي ستمهد لحرب ضروس يجر اليها الجميع ويلقى في رحاها. فيوم امس وما سبقه، عمقت التصريحات الصادرة من قبل السلطة وانصارها الهوة بين من يمسك بالدولة ويقود مسارها للخروج من الحالة الاستثنائية الى الطبيعية وبين البقية. الذين هم اما خصوم او انصار متحفظون.

فالحكومة التي كشفت على لسان المتحدث باسمها عن ملامح خطتها الاصلاحية او بالاحرى عن «النوايا» التي تتعهد بها ان تعلق الامر بالإصلاحات الاقتصادية الكبرى ، فما تلتزم به الحكومة هو الاستجابة للتوصيات التي قدمها الصندوق من قبل، ترشيد الدعم وخفض كتلة الاجور وإصلاح القطاع العام.
في هذا السياق تقول الحكومة على لسان المتحدث باسمها انها توجهت للصندوق بخطتها ووجدت لديه تفهما وقبولا لتصوراتها البديلة عن تنزيل التوصيات حرفيا دون مواءمتها مع استحقاقات البلاد، هذا دون ان يكشف عن اية تفاصيل تتعلق بالاصلاحات التي تشير الى انها ترضي صندوق النقد وتنتصر للتونسيين وتحول دون المساس بمقدرتهم الشرائية ومعاشهم اليومي.

هذا ما تقدمه الحكومة، تلميحات بان الاصلاحات بلغت صندوق النقد الدولي ووجدت الدعم والتفهم. لكنها تصمت ولم تصرح بالمزيد ان تعلق الامر بمآل هذه الخطة الاصلاحية المجهولة بالنسبة للتونسيين ان لم يدعمها الاتحاد العام التونسي للشغل كما يشترط صندوق النقد الدولي ويصر على ذلك منذ 2020. تصمت الحكومة هنا وترفض التلميح او التصريح او حتى القول بأنها مستعدة لكل الظروف والفرضيات الممكنة.

فرضيات باتت اقرب الى الواقع الذي يفصلنا عنه فقط الحيز الزمني الذي يحتاجه لينزل على الارض ويصبح واقعا يوميا يعيشه التونسيون. وهو تعثر مساعى الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بسبب عدم الوصول الى اتفاق مع الاتحاد بشأن هذه الاصلاحات.
فالاتحاد العام التونسي للشغل سبق وان اعلن انه يرفض ما تقترحه الحكومة وان لديه تصورات بديلة يمكنها ان تحقق التوازن للمالية العمومية الذي يطالب به صندوق النقد الدولي دون حاجة الى تحميل التونسيين اعباء اضافية. لهذا تتضح نوايا الاتحاد رفض خطة الحكومة الاصلاحية. وما يؤكد هذا الرفض بشكل صريح ومباشر هو بلاغ الاضراب في القطاع العام المنتظر يوم 16 جوان الجاري.

فما يطالب به الاتحاد في بيان الاضراب هو الذهاب الى مفاوضات اجتماعية بعنوان 2021 /2022 /2023 مع الشروع في تنفيذ الاتفاقات السابقة بين الاتحاد والحكومة اي انه يسقط ما تعهدت به الحكومة في باب التحكم في كتلة الاجور. اضافة الى انه يطالب بإصلاح المؤسسات العمومية حالة بحالة ورفض التفويت فيها للقطاع الخاص.

موقف واضح يعلن عبره ان خطة الاصلاحات التي تتعهد الحكومة بتمريرها وتنفيذها انطلاقا من قانون مالية 2023 ستكون محل رفض وسخط وتحركات احتجاجية من قبل الاتحاد. وهذا ينسف شرط صندوق النقد الدولي القائم اساسا على ان اي اتفاق سيبرمه مع الحكومة التونسية سيكون وفق خطة اصلاحية كبرى تحظى بدعم شعبي والأهم بدعم من الاتحاد. ودون هذا الاتفاق قد يتبخر الا ان جدت معجزة او تدخلت عواصم اوروبية من اجل تونس. لكن هذا بدوره يصطدم بحقيقة الموقف الاوروبي والامريكي المتحفظ على المسار السياسي والمشروط أيضا بالربط بين الدعم وبين الحوار الوطني.
هذا الحوار الذي ضبطت اطره عبر مراسيم رئاسية احدثت هيئة استشارية وقسمتها الى لجان وضبطت مواعيد اعمالها وآجال نهاية اشغالها التي تتفرع، لتكون نهاية الاشغال بالنسبة للجنة القانونية وللجنة الاقتصادية والاجتماعية في 13 جوان الجاري وهو موعد التقاء اللجنتين في لجنة الحوار الوطني التي ستمهل الى غاية 20 جوان لتقديم اشغالها وتقريرها الى الرئيس على ان يصدر كل شيء في 30 جوان.

شهر انطلق عدداه ولكن لم تنطلق اشغال اللجان ويبدو انها ستتأخر الى نهاية الاسبوع الجاري، )انظر مقال كريمة الماجري(، رغم قول الرئيس المنسق للهيئة الاستشارية الصادق بالعيد ان «القطار سينطلق في موعده.... والحاضر يززي)بمن حضر(« وهذا بعد ان ابدى الرئيس المنسق موقفه من الاضراب في القطاع العام الذي دعا اليه الاتحاد ويتزامن هذا الموقف النقدي مع تدوينات وتصريحات لمقربين من دوائر قصر قرطاج وداعمين لمسار الرئيس السياسي حملت تهديدات مبطنة لاتحاد وأعلنت عن امكانية الذهاب الى مواجهة مباشرة معه.

مواجهة يبدو ان المنظمة النقابية -التي قدمت امس مسودة بالإصلاحات السياسية التي تقترحها وتشمل الدستور )انظر مقال دنيا حفصة(- تستشعرها مما دفعها الى المطالبة بان لا يقع توظيف وزارة الداخلية والعدل مع اشارة الامين العام نور الدين الطبوبي الى ان الحكومات السابقة حاولت تجميع ملف فساد ضد الاتحاد وقادته ولكنها فشلت وسيفشل من يحاول الامر اليوم والسبب أن الاتحاد لم يرتكب اي فعل يدينه. ذات الاتحاد يقول الطبوبي انه لن يدجن من قبل اية سلطة وانه سيتمسك بمواقفه وبانتصاره لقضايا التونسيين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

هنا الصورة شديدة الوضوح، فالأزمة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية بلغت اشدها، اذ نحن اليوم امام مشهد تتوازن فيه القوى نسبيا، بين الرئاسة وانصارها وبين الاتحاد وكل من يصطف خلفه كليا او جزئيا، ولكلا الفريقين مشروع خاص، سياسي واقتصادي واجتماعي.
فالاتحاد خلال الساعات الفارطة لم يعلن عن تحفظه او رفضه او دعواته الى الحل، بل قدم تصوره الخاص لكيفية تجاوز الازمة المركبة وهو مشروع يقوم على «نقيض» المشروع الرئاسي مما يعني ان الاتحاد اعلن نفسه خصما للرئاسة وزعيما لجبهة المعارضة لها.
وهنا لدينا اطراف متنازعة ولدينا ايديولوجيات متناقضة ومناخ محتقن وهذا كل ما تحتاجه اية ساحة للمعارك والمواجهات العنيفة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115