متى نستفيق جميعا من غيبوبتنا ؟ !

لسنا ندري بالضبط ما الذي أصاب البلاد حتى أصبحت في حالة شبه غيبوبة جماعية،لا بمعنى غياب الوعي بالوجود الذاتي ولكن بمعنى غياب الوعي

بما علينا فعله جماعيا في هذا الظرف بالذات ..

من الطبيعي أن تتعدد الأفكار وأن تتنوع المسارات في بلاد ما بل وأن تعيش البلاد أزمة حادة خانقة وأن تتألبّ عليها وضدّها عوامل داخلية وخارجية قد تصل إلى حدّ تهديد وجود الدولة والحدّ الأدنى من قواعد العيش المشترك ..
ماهو غير طبيعي هو غياب الوعي بالمشترك الأدنى وأن الجهد الضروري للخروج من أزمة ما هو تجنيد جلّ الطاقات المادية والبشرية حول هدف مشترك مهما كان بسيطا أو جزئيا.
ما الفرق بين رقعة جغرافية تعيش فوقها قبائل متعادية ومتباغضة،السلم فيها هو مرحلة بين حربين فقط لا غير، ونفس الرقعة الجغرافية عندما تقع تحت نفوذ وسيطرة دولة مستقرة ؟ الفرق الذهني الأساسي هو ما نسميه بالصالح العام المتمثل في هذه الدولة ،نظريا،على الأقل ،والمستبطن بصفة جماعية ،أخلاقيا على الأقل، عند سكان هذه الرقعة حيث تمثل المواطنة لديهم أرقى مستويات الوعي الجماعي والفردي بالصالح العام ..

لاشك أن لكل «قبيلة» تونسية اليوم وعيا ما بما تعتبره الصالح العام ولكننا في وضع غياب وعي مشترك يتعالى على «القبيلة» وعلى انتمائيتها الضيقة ..بل نحن في وضع أسوأ من وضع القبائل المتناحرة قبل قيام الدولة لأنه لا وجود لقبيلة حينئذ حتى تدعي أنها تعبّر لوحدها عن الصالح العام الذي يستهدف هذه القبائل المتناحرة،أما اليوم فـ«قبائل» عدة في بلادنا تعتقد،تلميحا أو تصريحا أنها تمثل لوحدها الصالح العام وانه من واجبها إلغاء الآخرين ،كل الآخرين،حتى يتحقق هذا «الصالح العام» المتوهم.

لقد سئم التونسيون الى حدّ القرف من صراعات السياسيين ومن عنف بعضهم وانتهازية البعض الآخر وعاب جلّ التونسيين على الطبقة السياسية على امتداد العشرية الأولى للثورة وخاصة تلك التي كانت أساسية في الحكم (النهضة أساسا) أو شاركت في تحالفات حكومية أو اكتفت بالوقوف في صف المعارضة لا غير .. لقد عاب التونسيون على هذه الطبقة السياسية انغماسها في مشاكلها وصراعاتها ومواقعها فلم تهتم بما فيه الكفاية بمشاكل الناس ولم تسع بصفة جدية لتحسين ظروف عيشهم ولا إلى إصلاح البلاد والنهوض بالقطاعات الحيوية فيها من تعليم وصحة وبنية تحتية ونشاط اقتصادي ومكافحة ناجعة للبطالة ولا تحفيز للعمل والجهد حتى نحقق بداية ازدهار نتقاسمه جميعا بصفة عادلة ..

هذا هو النقد الأساسي لعامة التونسيين لأداء الطبقة السياسية وخاصة الحاكمة منها والذين ما فتئوا – ويا للمفارقة – يجددون الثقة فيها بصيغ مختلفة من انتخابات إلى أخرى ..

لقد اعتقد عدد كبير من مواطنينا أننا قد تخلصنا من كل هذه الأخطاء القاتلة بفضل 25 جويلية 2021.. ولكن ما الذي حدث على امتداد هذه الأشهر العشرة؟ ايغال في السياسة بالمعنى السلبي للكلمة وخطاب الحشد والتخوين واستنزاف في صراعات سياسوية وقانونية وإلغاء شبه كلي لما يهم الناس وإهمال لأزماتنا الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة والانغماس في صراع غريب كله احراجات ومتاهات حول طبيعة النظام السياسي والجمهورية الجديدة والفرز والتطهير في حين أن عزلة البلاد في ازدياد وأزمة المالية العمومية في تفاقم ومعيشة عموم التونسيين تعرف صعوبات جمّة ..
المشكلة كل المشكلة في ثقافتنا السياسية العقيمة وفي صراعاتنا الدونكيشوتية وفي ابتعادنا المريع عن كل مستلزمات العقل السليم .

فلنعد إلى جوهر حياتنا العامة العقل والمعقولية والعقلانية وعندها سنكون قادرين على تجاوز كل الأزمات ..

إننا نحتاج إلى رجة قوية تهزنا هزّا حتى ندرك كم نحن مخطئون في حق بلادنا وخاصة في حق الأجيال القادمة .. تونس تحتاج إلى مشروع وطني جامع،إلى حلم جماعي يعيد الأمل إلى كل أبنائنا وبناتنا.. فلم عجزنا عن كل هذا ؟ !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115