المرسوم الرئاسي عدد22 المنقح لقانون هيئة الانتخابات: حصانة كاملة لأعضاء الهيئة هل أن هذا كاف؟

صدر يوم امس بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية المرسوم الرئاسي عدد 22 المتعلق بتنقيح بعض من احكام القانون الاساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات

وبالأساس الاحكام المتعلقة بآليات اختيار اعضاء مجلس الهيئة وبمن له صلاحية تعيينهم وتعيين اعضاء الهيئات الفرعية وتفاصيل اخرى كلها تنحصر في تركيبة الهيئة وسير عملها.

شمل التنقيح 16 فصلا وفق المرسوم الجديد، وهي فصول بموجبها تمرّ عملية اختيار اعضاء الهيئة عبر آلية التعيين التي منحت صلاحيتها فقط للرئيس. فهو من سيعين اعضاء مجلس الهيئة السبعة. فالرئيس سيختار 3 من اصل 7 ويعين احد هؤلاء رئيسا للهيئة فيما يقع تعين الاربعة المتبقيين من قبل الرئيس بالاستناد الى المقترحات التي ستتقدم بها مجالس القضاء الثلاثة، التي سترشح 9 قضاة يعين الرئيس 3 منهم فيما يقترح المركز الوطني للإعلامية ثلاثة مهندسين اختصاص سيعين احدهم.
مرسوم لم يمر دون ان يخلق جدلا جديد بشأن هل أن للرئيس صلاحية ومشروعية ان يعين اعضاء الهيئة ليكون النقاش العام او جزء هام منه يوم امس منحصرا في هذه الجزئية، احقية الرئيس في ان يرسم كامل مسار العملية الانتخابية بمفرده دون توافق مع باقي مكونات المشهد، انطلاقا من تحديد مواعيد الاستحقاقات مرورا على ضبط الخطوط العريضة للقانون الانتخابي المزمع تنقيحه وصولا الى اختيار اعضاء الهيئة المشرفة على العملية الانتخابية، نقاش طرحت فيه جملة من الشكوك بشأن نزاهة العملية الانتخابية ومدى خضوعها منذ بدايتها لخيارات فردية.
ضمن هذا النقاش يبرز بشكل خافت سؤال عن مدى مصداقية واستقلالية هيئة الانتخابات القادمة وفق هذا المرسوم الجديد، ومدى توفيرها ضمانات الاستقلالية للهيئة لتشرف على العملية الانتخابية وتكون اعمالها محصنة بضمانات المقبولية، اي ان تكون الهيئة باعتبارها الجهة التحكيمية في العملية الانتخابية محل قبول من مختلف اللاعبين والمرشحين ولا يقع التشكيك او الطعن فيها وفي كل المسار.

هذه الضمانات المرجوة لاستقلالية الهيئة ولنزاهة العملية الانتخابية لا تقف عند مستوى النص القانوني، فرغم أهمية النص إلا ان عناصر اخرى هي التي تحدد اليوم استقلالية الهيئة، هذا القول ينطلق بالاستناد الى الفصول المنقحة، التي إذا نظر اليها بشكل تقني سيتضح للناظر ان المرسوم قد حدد الجهة التي تحتكر صلاحية التعيين ولكنه اسقط عملية «الاعفاء» ولم يتناولها لا صراحة او تضمينا، اضافة الى اقراره لمبدإ الحصانة لكل اعضاء الهيئة طوال عهدتهم الممتدة لأربع سنوات.
هذا يقدم لنا صورة مفادها ان الاعضاء السبعة المزمع تعيينهم خلال اسابيع قليلة قد لا يتجاوزون الثلاثة، وبنص القانون قد منحوا اليات تضمن قدرتهم على الخروج من هيمنة الرئيس وتأثيره، فهم وبعد تعيينهم يتمتعون بحصانة وبحماية من العزل او الاعفاء، اي انهم وفق نص المرسوم يمنحون صلاحيات كاملة دون جهة عليا تسلط عليهم ضغوطا.

هذا يعنى ضمنيا ان المرسوم وبالنظر اليه كنص بعيدا عن من الجهة التي اصدرته وهل لها احقية اصداره، قد اسس لعناصر نظريا هي مهمة لضمان استقلالية هيئة الانتخابات، وذلك بتوفير حصانة لاعضاء مجلسها امام القانون وامام اي سلطة تبحث عن الضغط بالية الاعفاء.
نظريا هذا المرسوم وفر جزءا من ضمانات الاستقلالية وجعل الهيئة قادرة على الاشراف وادارة العملية الانتخابية باستقلالية كلية عن كل الاطراف، فهي محمية ومحصنة من الجميع على حدّ سواء، ولكن هل هذا يضمن الاستقلالية؟.
الاجابة هنا ستكون مقترنة بهوية اعضاء مجلس الهيئة السبعة، اي انها ستكون متصلة بشخصيات المرشحين لعضوية الهيئة ومدى استبطانهم لاهمية الدور الذي يوكل اليهم وإيمانهم بدورهم كافراد وكهيئة في ضمان ان تكون العملية الانتخابية تعبيرا صادقا عن اختيارات التونسيين تتوفر فيها كافة ضمانات النزاهة والشفافية والمساواة بين كل المرشحين.

هذا الدور هو ما سيوكل لاعضاء الهيئة القادمين الذين سيكونون امام احد الخيارين، اما الدفاع عن استقلاليتهم عن كل مراكز الضغط والنفوذ بما فيها جهة التعيين والترشيح، او الرضوخ الى حسابات الولاء والالتزام بالتبعية لجهة التعيين او الترشيح او اية جهة اخرى، ولكل خيار نتائج وتداعيات مختلفة جذريا.
اي اننا اليوم ورغم ان الرئيس ذهب بمفرده لرسم محطات العملية الانتخابية والاستفتاء واخضع كل النصوص المنظمة لهما الى قراءته وصلاحيته ليعدلها وفق تصوراته، الا ان هذا لم يؤد الى ان تكون الهيئة القادمة فاقدة لهوامش الدفاع عن استقلاليتها ولا عن نزاهة العملية الانتخابية.

هوامش تتوفر بنص المرسوم والتعديلات التي وفرت حصانة ومنعت اعفاء او عزل اي من اعضاء الهيئة من قبل جهة او سلطة اي كانت وهذا على مستوى منطوق النص القانوني اما الممارسة فستكشف فعليا اننا كنا امام هيئة مستقلة او تابعة وخاضعة، اي ان ردود الفعل الراهنة على المرسوم وعلى التعديلات ستظل اولية يراقب اصحابها تطورات الايام القادمة ومعرفة هوية اعضاء مجلس الهيئة قبل ان تقدم من الداخل او الخارج المواقف النهائية والحاسمة تجاه الهيئة الجديدة والمشاركة في الاستحقاقات القادمة، استفتاء وانتخابات تشريعية.

اي ان الجميع تقريبا في حالة تأهب وترقب لمعرفة ما إذا كانت الشخصيات السبع المزمع تعيينهم كاعضاء للهيئة محل ثقة من الجميع ام هم فقط محل ثقة الرئيس وخاصته، وهنا تصبح الكرة في مرمى قيس سعيد بالاساس، فهوية من سيختارهم ويعينهم ومن بينهم رئيس الهيئة ستشرح بشكل مكثف نوايا الرئيس وتوجهاته، وهل ان شروط الاستقلالية المضمنة في المرسوم فقط للمناورة وتجنب رودو فعل الاتحاد الاوروبي والغرب اساسا ام هي سعى فعلي لتحقيق ضمانات استقلالية الهيئة ونزاهة العملية الانتخابية وهذا سيتضح خلال الايام القادمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115