فاختار ان يتحرك وفق وقائع الارض وان يعالج كل مسار بمفرده. حوار اقتصادي يجمعه بالحكومة وحوار سياسي بات يدفع في اتجاه ان يكون «غير مشروط» وغير موجه يجمعه بالرئاسة.
هكذا بات يتحرك الاتحاد العام التونسي للشغل مع انطلاق هذا الأسبوع الذي بمروره ينقضى شهران منذ قدم الاتحاد مبادرته وأمهل حكومة بودن والرئاسة «الوقت» للتفاعل معه. ولكن صمت الرئاسة في البداية وخياراها ان تفرض شروطها وتصوراتها ونسقها على «الحوار» المنتظر دفعا الاتحاد الى ان يعدل خياراته ويتحرك وفق المتاح له من هوامش اليوم.
هوامش تشكل امام الاتحاد مساحات للحركة والتفاوض في كل ملف على حدة، فالملف الاقتصادي والاجتماعي فصل بالنسبة للاتحاد عن السياسي بعد ان تعثرت محاولات توحيدهما ووجد نفسه امام خيار وحيد وهو التفاوض مع الحكومة في هذا الملف الذي يتجزأ الى عناصر اساسية اولها خطة الاصلاحات الاقتصادية الكبرى وثانيها المفاوضات الاجتماعية.
فصل الملف الاقتصادي والاجتماعي عن باقي الملفات، وهي الاساس الملف السياسي والدستوري، ولئن كان في ظاهره تعثر للاتحاد وفشل لمحاولة التوحيد التي تمنحه «هوامش ضغط « على الرئاسة لتعديل مشروعها السياسي الا انه يحرر الاتحاد ويطلق يده في التعاطي مع كل ملف على حده.
فالفصل بين الملفات حرر الاتحاد الذي لم يعد امام حتمية التهدئة او تقليص التوتر لفسح المجال للحوار الشامل مع الرئيس، بل بات بمقدوره التحرك والتلويح بالتصعيد في كل ملف على حده. وهذا ما برز خلال الساعات 48 الفارطة.
فالامين العام التقى برئيسة الحكومة نجلاء بودن بعد حوالي الشهرين من لقائهما السابق، وبعد سلسلة من التوترات التي تزامنت مع زيارة وفد صندوق النقد الدولي، ليعلن بهذا عن بداية مسار حواره مع الحكومة في الملف الاقتصادي والاجتماعي.
اثر اللقاء بساعات اعلن الطبوبي بعد لقائه بوفد يمثل البرلمان الاوروبي عن موقف المنظمة من الشرط الذي وضعه الرئيس امام الحوار الوطني المتمثل في ان يستند الحوار على مخرجات الاستشارة الالكترونية، والموقف هو الرفض القاطع والكلي للشرط وللحوار الشكلي.
موقف الاتحاد الذي كان صريحا رفض الجلوس على طاولة الحوار ان كانت هناك شروط مسبقة او عملية تقليد للحوار يتنزل في اطار اعادة قراءة التوازنات في المشهد وتقييم المواقف فيه، اذ ان الاتحاد لم يكتف برفض الشرط بل اعتبر ان اشارات الرئيس الى انطلاق الحوار تلزم الرئيس وحده، وان الاخير إذا تمسك بالمضى قدما في مسعاه سيكون بمفرده.
هنا يتضح جليا ان الاتحاد قد قرر التعامل مع «الوقائع» وهي ان الرئاسة رفضت وستظل ترفض ان توحد المسارات لان ذلك سيجبرها على ان تعدل وتقدم بعض التنازلات لضمان سلاسة التفاوض والتشاور في مختلف الملفات، لذلك اختارات ان تفصل لتحكم قبضتها بالاساس على الملف السياسي والاصلاحات.
قبضة بات اليوم الاتحاد يجابهها بشكل مباشر وصريح مع التلميح بان الموقف يتطور بتواتر ونسق منسجم مع تقدم الوقت والاقتراب من موعد الاستفتاء، فاليوم يرفض الاتحاد ان يجالس الرئيس في حوار مشروط ومقيد بنتائج مسبقة، ويجعله امام خيارين اما الذهاب بقوة الى فرض نتائج الاستشارة وتحمل تداعيات هذه الخطوة داخليا واقليميا ودوليا او ان يقبل بالتعديل والجلوس على الطاولة دون شرط او قيد.
خيار الاتحاد بان يدفع بالرئيس الى ان يختار بين القطيعة الكلية مع المنظمات وبين ان يتنازل عن بعض النقاط، هو الحل المتاح من وجهة نظر المنظمة لتحسين شروط التفاوض مع الرئاسة، خاصة بعد تشكل موقف اوروبي اولي يجعل من الحوار الوطني الشامل احد الشروط الاساسية لدعم تونس المالي والاقتصادي في ظل الازمة العالمية المتفاقمة جراء الحرب الروسية الاوكرانية.
اي ان الاتحاد حتى وإن فقد ورقة ضغط تتمثل في ربيط بين مسار الاصلاحات الاقتصادية ومسار الاصلاحات السياسية بهدف التمتع بهامش مناورة وأفضلية نسبية تجعله قادرا على إدارة المفاوضات فقد وجد ورقة ضغط جديد هي الموقف الاوروبي الذي يمنح المظمة هامشا جديدا للحركة، تم التعبير عنه بتحرك الاتحاد على اكثر من صعيد.
اليوم بات الاتحاد متحررا من قيود عدة في علاقة بالحوارين الاقتصادي والسياسي، وهذا سيمنحه قدرة على ان يناور ويضغط على الرئاسة التي يبدو انها ستكون امام حتمية حسم خيارها إذا كانت تريد التقارب مع الاتحاد او الصدام معه، بعد فترة من شد وارخاء شعرة معاوية التي كانت تجمعهما.
فصل مسارات الحوار الوطني: اتحاد الشغل يعيد خلط أوراق الرئيس
- بقلم حسان العيادي
- 10:33 15/04/2022
- 836 عدد المشاهدات
يبدو جليا ان الاتحاد العام التونسي للشغل فقد امله في ان تستجيب الرئاسة لدعوته بتوحيد مسارات الحوار لتكون شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية.