وان المخرج من هذه الازمة مرتهن اولا بالعمل لخلق الثروة والثاني «معجزة» تحول دون ان ينهار سقف البيت على الجميع.
واقع فرض نفسه على البلاد والعباد ليسلط ضغطا غير مسبوق في كافة أوجه الحياة في ظل تردي كل المؤشرات وبلوغها مراحل تنبئ بالخطر الذي ارتفعت مؤشراته مع اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية التي تسببت في ارتفاع اسعار مختلف منتجات الطاقة والغذاء.
حرب تحدث عنها الكثير وجعلوها بمثابة إعلان عن بداية تشكل عالم جديد قد تخرج منها تونس بمكاسب ومغانم حتى وان كانت بعيدة كليا عن ارضها وعن رهاناتها. وهذا نتيجة توجه المستثمرين الاوروبيين بالأساس الى نقل جزء من استثماراتهم في اوكرانيا او روسيا الى خارج الفضاء الاوروبي وتحديدا الى الضفة الجنوبية للمتوسط. وهنا تحتدم المنافسة بين الثلاثي، مصر والمغرب وتونس.
منافسة على استقطاب رؤؤس الاموال والاستثمارات لتوطينها في الضفة الجنوبية للمتوسط التي عادت لتكون بمثابة الملاذ الامن للاستثمار لابتعادها نسبيا عن مناخ الحرب الراهنة ولتوفر شروط موضوعية تجعل من ضفة المتوسط الجنوبية «موقعا» هو الافضل نسبيا لقدرته على ضمان تدفق المال والسلع والمنتجات الى الاسواق الاوروبية دون أن تتعرض إلى خطر وقف الامدادات. وهو ما يمكن تونس من فرصة إذا أُحكم استغلالها قد تحقق البلاد معجزتها.
اليوم انطلقت عدة شركات اوروبية في مفاوضات مع السلطات التونسية بالأساس مع الوزارات المعنية بالاقتصاد والصناعة بهدف نقل استثماراتها الى البلاد او توسيع استثمارات قائمة خاصة للشركات العاملة في مجال النسيج والصناعات الكهربائية وقطع غيار السيارات.
شركات عدة باتت تنظر اى تونس على انها البديل المحتمل لتوطين استثماراتها وهذا بمثابة هدية او مكسب ظفرت به البلاد من الحرب الدائرة في شرق اوروبا او العقوبات الاقتصادية المسلطة على روسيا اضافة الى مخاوف من مناخ الاعمال في شرق اسيا.
كل هذا تقاطع ليمنح البلاد مخرجا من الدائرة المغلقة التي سقطت فيها بسبب تعثر صياغة منوال تنموي يخلق الثروة ويحسن توزيعها على عموم التونسيين، مخرج لن تصل اليه البلاد بسلام إذا لم تحقق شروط النجاح وهي ان تحقق الاستقرار السياسي الذي يوفر مناخا آمنا للقيام بالاصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي دونها لا يمكن ان تكسر الحلقة المفرغة التي عاشت فيها البلاد.
فرصة منحت لساسة تونس لوضع البلاد برمتها على سكة الاصلاح مع ضمان حد ادنى من المنجز سريع التحقق، وهو النمو الذي سترتفع نسبته ومعها ترتفع الثروة الوطنية بما يحقق استقرار للمؤشرات الاقتصادية، لكن هذا يظل شريطة الاصلاحات الكبرى التي لم تعد ضرورية فقط للوصول إلى اتفاق ممدد مع صندوق النقد الدولي لتعبئة الموارد المالية بل لصياغة منوال تنموي يحقق الرفاه لكل التونسيين وهذه هي المعجزة التي منحت البلاد فرصة تاريخية لتحقيقها، حتى وان لم تسع إليها، كل ما يرجى اليوم ان لا نهدر الفرص الممنوحة لنا لان في اهدارها حكما بالفشل على الجميع، والفشل هذه المرة سيكون ضربة موجعة للبلاد.