تونس وأزماتها المركبة: لقاء الرئيس مع قادة الاتحاد ... كي لا تهدر الفرصة

بتاريخ الاحد 13 مارس 2022، تعيش البلاد التونسية ازمة مركبة تتشعب في كل أوجه حياتها سواء اكانت السياسية او المالية او الاقتصادية

او الاجتماعية اضف اليها الازمة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية كلها عوامل التقت لتجعل من ربيع البلاد شديد القتامة.
ازمتنا الحالية، ليست مستحدثة بل هي مراكمة لازمات لم تجد اي اهتمام من قبل الماسكين بالحكم طوال السنوات العشر أو محاولة جدية للمعالجة. بل كانت تتفاقم نتيجة صبيانية سياسية وتهافت مرير على مغانم الحكم وجاهه ومكاسبه، لتغفل عن ان الثورة التي عاشتها البلاد كانت بالأساس جراء تعطل كل محركاتها وبلوغها حالة العطالة.

ثورة طالبت بالحرية والشغل والكرامة، وهذا لم يتحقق على الاقل في منجزه الاقتصادي والاجتماعي الذي شهد انحدارا رهيبا لم تحل دونه كل الاصوات المحذرة من ان عدم معالجة المنوال التنموي وعدم اصلاح مؤسسات الدولة بما يضمن الحوكمة الرشيدة وخدمة التونسين سيؤدي بالجميع في نهاية المطاف الى ان ينهار فوق رؤؤسهم سقف «البيت».

بيت تصدعت ثوابته وأسسه، ليكون مهددا بالانهيار الوشيك في ظل ارادة سياسية غائبة وعاجزة عن الاصلاح الفعلي بعد ان اختار الماسكون بمقاليد الحكم ان يرمموا القديم بغاية التمكن من الحكم، ولم يستوعبوا ان قديمهم قد انتهى ولم يعد قادرا على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كل هذا تراكم على البلاد قبل ان تحل عليها طامة «الجائحة» وما استنزفت من «اللحم الحي والعظم» على حد سواء لتجعلها كبقرة هزيلة تواترت عليها سنوات الجدب والقحط، وهنا المؤشرات الاقتصادية والمالية كفيلة لتشرح حالنا وما اصاب البلاد التي التقت عليها توقف محركات انتاجها وشلل حياتها الاقتصادية جنبا الى جنب مع ازمة اقتصادية عالمية نجمت عن تداعيات الكورونا وها هي اليوم تشهد تفاقم في ظل الحرب الروسية الاكرانية.

كل هذا معلوم لجميع التونسيين الذين يستشعرون ثقل الازمة الاقتصادية في مختلف اوجه حياتهم ومعاشهم اليومي، وفي حالة الركود الاقتصادي التي ادت الى ان يصل تعداد «فقراء تونس» الى 4 ملايين فقير وفق تقرير المنتدى الاقتصادي والاجتماعي الذي قدم ارقاما عن الوضع الصعب للبلاد وشعبها.
وضع مرشح للتدهور، لتقاطع عدة عوامل اولها الازمة الهيكلية للاقتصاد التونسي وعجزه عن تحقيق النمو والتنمية القادرتان على الانعكاس ايجابا على حياة التونسيين، ازمة مالية خانقة وتعثر محاولات الخروج منها بسبب عجز هيكلي لميزانية البلاد جراء تاخر عملية الاصلاح الموجعة.
ازمة مرشحة للتفاقم بسبب تباطؤ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشان اتفاق ممدد يسمح للبلاد ان تغادر الى السوق المالية الدولية للاقتراض وتلبية حاجاتها المالية التي ستتجاوز التوقعات المدونة في قانون مالية 2022 والمقدرة باكثر من 12 مليار دينار تونسي، نتيجة ارتفاع سعر النفط باكثر من 60 دولار عن الفرضية التي بنيت عليها توازنات القانون اضافة الى ارتفاع اسعار مختلف السلع الاساسية وخاصة الحبوب وهذا نتيجة للحرب في اوكرانيا.

حرب جاءت لتفاقم مصاعب البلاد التونسية المالية بالاساس، اذ يبدو انها سترفع من عجزها العام كما ستؤثر على الاسواق المالية الدولية جراء ارتفاع نسب التضخم وغيرها من التداعيات المباشرة وغير المباشرة عن ازمة مرشحة لان تكون «كارثة» عالمية.
كل هذا والوضع في تونس يدار وكان البلاد لا تشهد اي خطر محدق بها، سواء من قبل القائمين على شؤون الحكم بعد 25 جويلية او من قبل معارضيهم، الامر سواء لا احد يريد ان يستوعب دقة المرحلة وضرورة البحث عن مخرج فعلي بعيدا عن الاستقطاب القائم على تاريخ 25 جويلية. اذ ان الاستمرار في ذات السياسات المتبعة من قبل الرئيس وحكومته منذ 25 جويلية والقائمة بالاساس على تقسيم التونسيين الى معسكرين كل منهما يعمل على «الغاء الاخر» بمسميات، اما لدفع لحظة 25 جويلية الى اقصاها لتفرز واقعها السياسي ونظامها او للعودة الى ما قبلها، وفي الحالتين كل طرف يتحرك وكأن الامر هو حرب وجود لا منتصر فيها الا متى وقع انهاء الطرف الاخر كليا.

حرب تطاحن تتزامن مع هذا الوضع الصعب على كل الاصعدة تهدد تماسك الدولة والمجتمع، في ظل خطاب عنف وتحريض يقوم على التضاد ونفي الاخر. بما يعمق الازمات ويجعلها بعيدة عن الحل العقلاني والمجدي.

تونس اليوم في امس الحاجة للعقل والتعقل والبحث عن المشترك وتعزيزه لصياغة مشروع وطني جامع يلتف خلفه جزء واسع من التونسيين بمقولات واضحة واهداف اوضح تنسجم مع استحقاق التونسيين لعيش كريم لن يحقق دون ان تطرح كل الملفات للنقاش المجتمعي والسياسي الفعلي بهدف صياغة قواعد عيش مشترك تحدد فيها الادوار والمسؤوليات وتنظم فيها اليات ادارة الاختلاف في اطار سلمي قويم وليس التدافع والاقتتال.

تونس العقلانية الناجية تراهن بكل ما لديها على ان تنجح محاولة فتح حوار جدي يجمع مختلف الفرقاء على طاولة واحدة في اسرع وقت ممكن لتحديد مسار الخروج من الازمات المتشعبة، وهذا يجعل من اللقاء المرتقب بين قيادة الاتحاد ورئيس الجمهورية بمثابة الفرصة الاخيرة قبل ان يجرفنا الطوفان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115