كلمة الرئيس في اجتماع مجلس الوزراء: مع الاقتراب من نهاية آجال الاستشارة .. العودة إلى ثنائية نحن وهم

خصص رئيس الجمهورية اكثر من نصف وقت كلمته الافتتاحية لاشغال مجلس الوزراء امس ليهاجم خصومه ويعيد ترتيب المشهد التونسي وفق ثنائية «نحن» و«هم»

التي تختزل الصراع والصدام بين الرئيس وجل الطبقة السياسية التي عاد ليهاجمها ويقدمها في صورة «الشر المطلق».
ثنائية «نحن» و«هم» و«الصديق» و«العدو» كانت صريحة امس في كلمة الرئيس التي تأتي قبل انتهاء اجال الاستشارة الشعبية ب17 يوما، والهدف منها يبدو انه مرتبط باعدة رسم المشهد وترتيبه وفق خيارات الرئيس التي لا تسمح بوجود «خارج» عن مساره وتصوراته.
فرئيس الدولة لدى تطرقه الى ما يعتبره «مسائل مستعجلة» تتعلق بحقوق التونسيين وحرياتهم وكرامتهم، اختار ان يعلن ان هذه المسائل هي التي تحدد من في صف الشعب ومن هو عدوه، اذ ان الرئيس والشعب هنا يصبحان واحدا في كلمة الرئيس الذي قال «لن يهدأ لي بال بل الشعب لن يهدأ له بآل» ما لم تطهر البلاد من كل الادران والشوائب التي طالتها في السنوات الفارط.

امتزاج الرئيس والشعب، بصفته من يعبر عن الارادة الشعبية، يستوجب في المقابل عدو محدد الملامح والمخاطر، ولم يجد الرئيس عدوا افضل من خصومه الذين جمعهم في خانة وحيدة «المعارضة» لينفى كل اختلاف بينهم او فرق ويقدمهم كنقيض له في كلمته التي قامت وبنيت على الثنائية، ابيض واسود، خير وشر.

ثنائية تقوم على ان «الهم» -وهي هنا كل الاحزاب والكيانات السياسية دون استثناء- فككت الدولة وبات لزاما انقاذ هذه الدولة منهم بـ«وضع حد لانحلال الدولة ومؤسساتها»ولتحقيق هذا لابد من ان يقع وضع حد «لتسلل هؤلاء الى كل القطاعات تحت اي عنوان كان».
هؤلاء تستوجب ان يرافقها بشكل ضمني او صريح «نحن»، والنحن هنا في كلمة الرئيس جلية وصريحة تعبر عن نفسها بالأهداف والشعارات. كتطهير البلاد ووضع حد للعبث بالمؤسسات من قبل «هم» الذين تمتد قائمتهم لتضم من هو على اقصى يمين حركة النهضة الى اقصى يمين الحزب الدستوري الحر.
تجميع لكل الخصوم وجعلهم خصم وحيدا استوجب من الرئيس في كلمته ان يقدم حججا وهنا تحدث الرئيس عن ان «الكل» يعلم ليعيد بها تشكيل الذاكرة ويرسخ فيها ما يعزز مرويته بشأن الخصوم، فالكل يعلم ان «الاحزاب» والطبقة السياسية كانت متناحرة في الظاهر قبل 25 جويلية، ليعتصم جزء منها ضد الاخر ويتورط البعض في «العنف» ضد الاخر، وغيرها من الصور والاحداث التي حرص الرئيس من خلالها على أن يبين حجم التناقض «الظاهر» بين الاحزاب قبل 25 جويلية وكيف انه زال كليا وباتت كل الاحزاب موحدة ضد 25 جويلية والارادة الشعبية الباحثة عن التحرر.
أحزاب وكيانات سياسية ومجتمعية شدد الرئيس على انها باتت اليوم «تجتمع على تشويه الحقائق» كما اجتمعت «على تجويع الشعب والتنكيل به» اطراف اجتمعت وفق الرئيس وتخطط لافتعال القضايا مع كل يوم جديد، هدفها الضغط من اجل العودة الى الحكم او التنكيل بالتونسيين.
فهؤلاء لدى الرئيس همهم الوحيد «السلطة» وكانوا في السابق يتصارعون على من يغنم السلطة وهذا ضمنيا لدى الرئيس دليل على انهم «يلتقون على قلب رجل واحد» إذا تعلق الامر بانهم ضد الشعب ومطالبه، فالاحزاب لم تختلف بينها بشأن كيفية خدمة الشعب بل اختلفت بشأن توزيع السلطة واغتنام الحكم وهذه الغاية تجعل منها «كيانا» متجانسا يمثل «هم».

هم التي تعنى كل الشرور يقابلها ضمنيا، الخير الذي يتجسد في الشعب وارادته التي يعبرها عنها الرئيس، فهو وان لم يعلنها صراحة الا انه صاغ الامر على ان النقيض لهؤلاء المتامرين المنكلين بالشعب هو «الرئيس» نفسه ومشروعه القائم على تحقيق الارادة الشعبية واحلال نظام ومنظومة جديدتين.
تناقض يتزامن اليوم مع الاقتراب من الايام الاخيرة للاستشارة الشعبية التي تعثرت ولم ترتق لانتظارات الرئيس، ولهذا يبدو انه اختار ان يذكر التونسيين بـ«عدوهم» لعل في ذلك حشدا وتشجيعا لهم على الانخراط في ما تبقى من مسار سياسي يرغب من خلاله الرئيس ان يهدم القديم ويضع مكانه بناء جديد.
بناء يبدو ان الرئيس جعل من اسسه «الثنائيات» الخير والشر، السياسيين والشعب وغيرها من المتضادات التي يريد الرئيس بها حشد الشارع وكانه في حرب مصيرية ضد خصم سياسي رسمه الرئيس في صورة نمطية الغت كل الاختلافات بين الاحزاب والسياسيين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115