ذكرى اغتيال المناضل شكري بلعيد: الدم النازف على الدّوام ...

منذ تسع أعوام و قبل يوم من اغتياله في قراءة لظاهرة العنف، اتهم الحقوقي والمناضل السياسي شكري بلعيد

في آخر ظهور تلفزي له قبل اغتياله، حركة النهضة «بالتشريع للاغتيال السياسي ..». و قبل ذلك قال الكثير على تفشي ظاهرة العنف و التجييش الممنهج لمروجي التكفير و الفكر السلفي تحت يافطات رابطات حماية الثورة أو دعاة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ومجموعات أخرى كانت طليقة الحركة وتشكلت كجناح داعم لحزب النهضة الّذي كان مسيطرا على السلطة السياسية .
مرت تسعة أعوام على إغتيال شكري بلعيد في مثل هذا اليوم 6 فيفري 2013، وظل دمه جرحا ينزف في جسم القضاء الّذي لم ينطق إلى اليوم بكلمة الفصل في ما طالب به المجتمع السياسي الديمقراطي لكشف الحقيقة و إماطة اللّثام عمّن نظّر وشرّع بالفعل و بالتواطؤ، ومن خطّط ونفذ عملية إغتيال بلعيد أقوى الأصوات الحرة و أكثرها وضوحا في الوقوف ضدّ دعاة التشدّد و الظلامية وفرض الإسلام السياسي كمنهج للحكم .
كل الّذين أمسكوا بالسلطة بعد الاغتيال وعدوا و تعهدوا بالعمل على كشف الحقائق والأسرار الّتي لفت بعملية الاغتيال، لكن لا شيء ظهر لدعم مسار البلوغ إلى الحقيقة الّتي لا ينكشف فيها -فقط- المنفذ ومشاركوه، بل تنكشف فيها حقيقة الطرف المدبّر و المخطّط و الداعم للمجرم أو للمجرمين ، و في ذلك كشف للمستفيد من الاغتيال الّذي وضع التصفية الجسدية طريقة لاستبعاد من يعتبرهم خصوما له.
إن مهمة البحث عن الحقيقة كانت بيد القضاء الّذي تابع و باشر الأبحاث ثم التتبع ، لذلك حمل التونسيون وزر هذه المهمّة للقضاء و عقدوا الامل فيه لإعلاء صوت الحق، ولتقديم البرهان على الكفاءة والاقتدار في فك مفاتيح و رموز خيوط الجريمة ، ليكسب ثقة الشعب فيه والتقدير والاحترام في المحافل الدولية، خاصّة وأن المسؤولية السياسية قد حُمّلت للسلطة السياسية في زمن ارتكاب الجريمة، وبقى الرأي العام ينتظر كلمة السلطة القضائية الّتي كان ينتظر منها ألاّ تتخفّى وراء أي تبرير بعد أن تحرّرت من قيود التحكمّ فيها بعد إنشاء المجلس الأعلى للقضاء في هيكلته الجديدة.
لقد عمل المحامون المتابعون للملف نيابة عن القائمين بالحق الشخصي، على كشف سبل البحث عن الحقيقة و كشفوا عن وقائع و ادلّة تكشف عن الأيادي الضالعة في الاغتيال ، في حين أن الذين كانوا ماسكين بالسلطة الفعلية زمن الإغتيال،لم يثبتوا أنهم بذلوا كل جهدهم لتجنب ما حصل باعتبار أنه وقع تنبيههم مسبقا إلى التهديدات العلنية لبلعيد والّتي تكرّرت في أكثر من مناسبة، بل أن كل القرائن تقيم الدليل على التقاعس المفرط بما يعتبر تواطؤا أو مشاركة في الجريمة ،هذا إذا لم يقع إثبات التورط الفعلي.
إن القضاء الّذي يباشر القضية، ما يزال أمام تحدّ كشف الحقيقة كاملة بكل تفاصليها،بعد أن توفرت لديه أدلّة يبدو أنها كانت مخفية عليه و تبقى لديه إمكانية بذل كل ما في وسعه لتوسيع الأبحاث والتحريات و إصدار الأحكام التحضيرية اللاّزمة و متابعتها بالحرص اللاّزم للتوصل إلى كشف كل الملابسات المتصلة بالاغتيال.
قليلة تلك الاغتيالات السياسية الّتي تمّ تفكيك رموزها في كل بلدان العالم ، ولكن يترددّ على الدوام احتمال نسبتها إلى المستفيد منها ، الذي تبقى أصابع الإتهام تلاحقه على مر السنين ،و لكن مع ذلك ، تبقى الإرادة القضائية الصادقة والمثابرة هي المطلوب توفرها وتبقى نقطة ضوء يسعى إليها كل متمسك بقيم الحق والعدالة و النزاهة والإنصاف . نقولها ونعيدها بعد تسعة أعوام من إدراك قوى الغدر لجسد شكري بلعيد ، الّذي على روحه السلام..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115