لقاء احتفالي أم تصفية للحسابات ؟

ازدادت الحاجة إلى استعمال وسائل التواصل الحديثة بعد أزمة كورونا، فبادرت بعض المؤسسات والوزارات والشركات بحثّ الموظفين على العمل عن بعد،

و شجّعت المؤسسات التعليمية في مختلف المستويات، وخاصّة الجامعية الإطار التعليمي والمتعلّمين على استعمال المنصات الرقمية. وفي السياق نفسه اجتمعت «حكومة المشيشي» ومجلس الشعب «عن بعد» عديد المرات، لمناقشة بعض الملفات واتخاذ القرارات.
ولئن كان الحرص على ضمان المصالح (الحزبية، الطبقية، الشخصية...) هو الذي دفع نوّاب الشعب إلى التكيّف مع الواقع وتعلّم مهارات جديدة فإنّ الدعوة إلى انعقاد المجلس عن بعد مثيرة للتساؤل بشأن تزامن انعقاد «مجلس الشعب» مع إطلاق الاستشارة الالكترونية. فهل هو التنافس في استعمال الثقافة الرقمية من أجل ممارسة الديمقراطية؟ وهل يفهم الحفاظ على الإطار «الشرعي» لممارسة «الديمقراطية التمثيلية»، أي «المجلس» محاولة للردّ على ديمقراطية تمثيلية إلكترونية موسّعة تتجاوز الأطر التقليدية لتنفتح على فئات أخرى من التونسيين/ات القادرين على التواصل عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة؟
يبدو من خلال، بيان رئاسة المجلس الصادر بتاريخ 27 جانفي 2022أنّ الغاية من وراء اللقاء «عن بعد» هي الاحتفال بالذكرى الثامنة لختم الدستور. ولكنّ تحديد هويّة المخاطب(رئيس مجلس نواب الشعب) والمخاطبين «الشعب التونسي العظيم» وكذا «أصدقاء و أشقاء تونس المحترمين في مشارق الأرض ومغاربها» توضّح حرب المواقع وتجليات السلطة وخريطة توزيعها إذ يبقى الغنوشي إلى حدّ اليوم، متمسّكا بصفته: «الرئيس»، أي أنّه طرف في الثالوث المكوّن للسلط، حتى وإن كان افتراضيا ودون صلاحيات، ويظلّ مصّرا على المرئية والتواصل مع الشعب و«الأصدقاء» في الداخل والخارج، ومعنى هذا أنّ الدعوة إلى عقد اللقاء علامة دالة على مدى تشبث الغنوشي بالمنصب/السلطة.

غير أنّ ما يلفت الانتباه في البيان غياب ضبط عدد من وجّهت إليهم الدعوة، وعدد المشاركين الفعليين في هذا الاجتماع الاحتفالي وهوياتهم/نّ، وهو معطى مهمّ في الممارسة الديمقراطية. ففي برلمان يحترم مبدأ الشفافية لا يمكن الاقتصار على ذكر هذه المعطيات العامة و«التعويمية»: «بحضور نواب الشعب من الدوائر الانتخابية داخل تونس وخارجها». فإذا كان الرئيس قد راسل جميع النواب فهذا أمر دال على استئناف العمل وفق مقتضيات القانون، وإذا كانت الدعوات انتقائية فهذا دليل على نهج اقصائي اصطفى من يعتبرون ما حدث «انقلابا» وينضوون ضمن كتلة معارضة للانقلاب، وهنا يتحوّل اللقاء إلى لقاء سياسي خاصّ يتّخذ من مناسبة لاحتفال بالدستور مطية لتحقيق أهداف سياسية ضمن لعبة «الكلّ ضدّ الكلّ'».

وليس التذكير بمن ساهموا في كتابة الدستور إلاّ تنبيه للرئيس سعيّد بأنّه كان خارج المسار ولم يكن له شرف المشاركة في كتابة الدستور الجديد الذي يعدّ مفخرة للتونسيين. أمّا الإشادة بدور الدستور في حياة التونسيين فهي رسالة واضحة لمن 'عطّل الدستور' وخرج عن أسسه فأنى له أن ينعم بالاسقرار والأمن والأمان.

ونحسب أنّ استرجاع تاريخ المعارك والتضحية بالدماء يهدف إلى تنزيل المواجهة وعلاقات القوة في إطار معركة حاسمة «من أجل العودة للمسار الدستوري والمؤسسات المنتخبة والديمقراطية المختطفة في تونسنا العزيزة». وإذا علمنا أنّ الصراعات السياسية تخاض رمزيا وخطابيا أدركنا سلطة اللغة ودورها في التعبئة، كذلك في كتابة سردية المظلومية». معركة العودة للديمقراطية منذ الانقلاب على الدستور في 25 جويلية 2021 هذه المعركة التي يقودها المواطنات والمواطنون في هدوء وحكمة في إطار مدني سلمي بكل الأشكال النضالية المتاحة ما بين الامعاء الخاوية و الصدور العارية و فقدان الحرية من بينهم ثلة مباركة من النواب الأفاضل الذين ضحوا بالغالي و النفيس في مواجهة محاكمات عسكرية و مدنية ومن المعاناة الرهيبة من الاقامة الجبرية او الهجرة القسرية و بشاعة الإختطاف والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي الذي يعاني منه إلى حد اللحظة النائب نورالدين البحيري المحترم».

ونقدّر أنّ الدفاع عن المبادئ والقيم (الحرية والكرامة والمساواة...)والقضايا العادلة والقانون لا يمكن أن يخصّ «شعب النهضة» وحده فكم في «الحبس مظاليم»، وكم عدد الذين داستهم آلة القمع والظلم... أضف إلى ذلك أنّ النشاطية ليست حكرا على أبناء النهضة أصحاب «الصدور العارية» فحتى «أمينة فيمان» خاضت معركتها من أجل تغيير وسائل المقاومة فكان الجسد أداة للوقوف بوجه الطغيان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115