الاستشارة الإلكترونية؟

يحق لنا اليوم، أن نحلم بتطوير طرائق التفاعل بين السياسي، والمواطنين/ت وأن يُنظر إليهم على أساس أنّهم شركاء في السلطة وأصحاب قول مسموع ورأي يُحترم.

ويحقّ لنا أيضا التساؤل، عن وجاهة إطلاق الاستشارة الإلكترونية في هذا السياق المخصوص الذي تمرّ به البلاد، ومدى توفر إمكانية النفاذ إليها بيسر بالنسبة إلى جميع التونسيين والتونسيات فضلا عن نقد الأسئلة الموجّهة التي تضمّنتها والتساؤل عن مدى نجاعتها في العملية الديمقراطية.
لاشكّ عندنا أنّ إطلاق الاستشارة الإلكترونية يأتي في ظرف انقسم فيه التونسيون أوّلا: إلى مناصرين لـ25 جويلية في مقابل المعارضين لما حدث، وثانيا إلى مرحّبين بإزاحة الإسلاميين عن السلطة والداعمين لسياسات «قيس سعيد» في مقابل المرتاحين فقط إلى قرار عزل الإسلاميين والمنتقدين لإدارة «قيس سعيد» لما بعد 25 جويلية، وثالثا إلى شرائح فضلّت المعاينة والمتابعة وعدم حسم موقفها، ورابعا المجموعات التي «كفرت» بالسياسة والسياسيين وعادت إلى وضع الاستكانة ترقب توفّر فرصة لمغادرة بلاد خذلها أهلها وحوّلوها إلى «خراب». ويضاف إلى كلّ هؤلاء فئات تعيش على هامش الحدث لأنّها مشغولة باليومي، وخاصّة توفير لقمة العيش.

من منطلق هذا التوصيف يمكن القول: «إنّنا غادرنا حالة الاستقطاب الثنائي الحاد الذي عرفه التونسيون في العشرية الأخيرة، وتأقلموا معه وتحمّلوا تبعاته ليغدو الانقسام الملمح الرئيس لهذا المرحلة»، وهو أمر سينعكس حتما على مستوى التفاعل مع هذه المبادرة وتقبّل ما ستفضي إليه من نتائج.
وإذا علمنا أنّ العلوم السياسية صارت تولي أهميّة إلى مشاعر الناخبين أو المشاركين في الشأن السياسي وتنظر إلى البنية النفسية السائدة على أنّها محرار مهمّ في تقييم العمل السياسي ووضع السياسات ثبت لدينا أنّ المناخ العام المتسم بالضبابية والذي تسود فيه حالة من الإحباط والشعور بالغضب واليأس وخيبة الأمل وانسداد الأفق والمبالغة في إصدار الأحكام وردود الأفعال سيؤثّر حتما في طرائق التفاعل مع الأوامر والقرارات والمبادرات. ولا نحسب أنّ من فقد ثقته في القيادة السياسية ولم يجد «المخلّص» والحلول البديلة سيتحمّس للإجابة عن أسئلة تدعوه إلى تمثّل تونس الغد ومدينة الغد ووسائل الإصلاح....وعلى هذا الأساس تحيل أغلب الأسئلة المطروحة على الفجوة بين التصوّرات والواقع المعيش.

ولعلّ أهمّ ما تحيل إليه الاستشارة هو نظرة «الحقرة» إلى الفئات التي لم تبرح موقع الهامش. فالاستشارة تتوجّه إلى المواطن/ة المتعلّم وحامل بطاقة التعريف، ولا تكترث بواقع تضاعفت فيه أرقام المنقطعين عن الدراسة وارتفع فيه معدّل الأميّة بما في ذلك الأميّة الرقمية، كما أنّها لا تبالي بواقع كشف عن مجموعات غير مسجّلة (بلا هويات).

وبالإضافة إلى هذا التمثّل يبدو المواطن في نظر من صمّموا هذه الاستشارة، ذا ثقافة ومعرفة دقيقة تسمح له بأن يفهم دلالات المصطلحات والمفاهيم وغيرها «جودة الحياة» و«التنمية المستدامة» و«النظام البرلماني»... والحال أنّ ثقافة استهلاك التفاهة' صارت في الصدارة. يُضاف إلى ذلك تمثّل التونسي على أنّه عقلاني متّزن مدرك لخفايا الأمور وقادر على التعبير عن رأيه بكلّ صراحة، والحال أنّ الواقع كشف عن أزمات معقدة على مستوى السلوك، والتصورات، و...

يُنتظر من هذه الاستشارة أن تكون مفيدة بالنسبة إلى واضع السياسات ولكن نذهب إلى أنّ العكس هو الذي حدث إذ تبدو الاستشارة وفق الملاحظات الأولى،عاكسة لصورة المجتمع التونسي الذي يمر بتحولات كبيرة ، وكاشفة في ذات الوقت، لتمثل أصحاب السلطة للمواطنين/ت إذ نجد نسقا تراتبيّا يُفرز فيه التونسيون/ت على أساس الجندر ، والجهة ، والسنّ، وصاحب/ة بطاقة التعريف، وصاحب الوسائل التواصلية الحديثة ومن لا يملك قوت يومه...معبّرة عن واقع تمييزي لا زالت فيه النساء غير حاضرات بالقدر المطلوب، وغير فاعلات في الشأن السياسي ونسبتهن التمثيلية ضعيفة ولازال فيه سكان المركز حاضرين على خلاف سكان المدن الأخرى، والمناطق النائية.

وإذا اتّسم الوضع بالضبابية وهيمنة أزمة شكّ بنيوية وحالة إحباط وغضب فإنّنا نقدّر أنّ تفاعل فئة من التونسيين مع هذه الاستشارة سيتراوح بين الجدّ والهزل، الانفعالية والتعقل، وغيرها من الثنائيات .غير أنّ ما نخشاه هو أن توظف الاستشارة لشرعنة قرارات يُراد لها أن تعبّر عن إجماع، وأن تنطق نيابة عن جميع التونسين/ت.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115