قانون مالية 2022: الرئيس والحكومة أول المتضررين من غياب النقاش

منذ ان اعلن انه مهدد بالاغتيال وان الخونة يتآمرون لاغتيال مسؤولين. واقتصر النقاش العام في البلاد على هذه الجزئيات واسقط الحدث الرئيسي

هو قانون مالية 2022، الذي سيقع اكتشفافه من قبل التونسيين مع بداية تنزيل فصوله تباعا في غرّة جانفي القادم.
قانون لم يتوفر أي معطى بشأنه ولا فرضياته أوبتوازناته الكبرى ولا توزيع نفقات الدولة او تحديد مواردها ومن اين تأتي. كل هذا وقع القفز فوقه لنقتصر على تلميحات مبهمة تتحدث عن «الاكراهات» وعن الارث الثقيل وعن الاصلاحات الصعبة وعن الجباية، دون ان تقدم حكومة بودن او الرئيس كلمة واحدة عن ما يريدان انجازه عن قانون ماليتهما لسنة 2022.

قانون المالية ليس مجرد نص محاسباتي يحدد نفقات الدولة ومواردها، بل هو وثيقة سياسية توجيهية ترسم مستقبل دولة وشعبها. سواء أتعلق الامر بالنصوص القانونية او بنفقات الاستشمار وسياسة الدولة في هذا المجال ومشاريعها. كما ان نص القانون ليس في قطيعة مع ما سبقه من نصوص او منبت عن النصوص القادمة، بل هو عنصر من سلسلة يطلق عليها اصطلاحا «المخططات» وهي الخطط والاستراتيجيات التي تتبعها الدول والحكومات بهدف انعاش اقتصادها وخلق الثروة او تطوير مجتمعاتها على مختلف الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية الخ.
هذا جزء من الاهمية التي يمثلها قانون المالية سواء في الدول التي تتبع النهج الليبرالي او الاجتماعي، أيا كان دور الدولة في السوق. وتتعاظم اهميته حتى وإن كانت سياقاته كالتي نمر بها في تونس، ازمة مالية خانقة وخلل هيكلي اصاب الاقتصاد التونسي ومحركاته، بما يستوجب الانقاذ وعدم التاخر عنه.
انقاذ يعنى اصلاحات صعبة ومرهقة، لا للدولة بل لشعبها الذي سيتحمل تكلفة الاصلاح، سواء أكان اجيرا او مستثمرا. ولهذا يصبح قانون المالية اكثر من مجرد نص مالي قانوني بل وثيقة تعاقد بين الدولة وشعبها يتضمن بنود عدة، يمكن اعتبارها بنود التضحيات التي ستطالب بها الدولة والمقابل الذي تعد به.
لكن رغم اهمية قانون مالية 2022 ورهانته الكبرى، الا انه مر دون نقاش ولو جزئي واقتصر على خطة الحكومة واصلاحاتها. فمجلس الوزراء المنعقد الخميس الفارط صادق على القانون وينتظر ان ينشر خلال الايام القادمة قبل نهاية السنة ليجد التونسييون انفسهم وجها لوجه مع نص قانوني لم يقع تهيئتهم لما يحمله من اجراءات واصلاحات صعبة ستنعكس على حياتهم.

فالحكومة وما قدمته من تفاصيل منثورة، كشفت انها اعدت قانون مالية تضمن اصلاحات جبائية، لكنها لم تتحدث عن نوعية هذه الاصلاحات وهل هي فرض ضرائب جديدة او تخفيض فيها. والامر ذاته ينطبق على باقي السياسات التي ستنتهجها الحكومة خلال السنة القادمة. لا احد يعلم ما تعتزمه ولا اية اجراءات ستسنها وكيف ستينعكس ذلك على الجميع، مستهلكين ومستثمرين.

صمت الحكومة والرئاسة حال دون ان يتوفر فضاء لنقاش القانون واجراءاته خاصة تلك المتعلقة بالاصلاحات الكبرى، ككتلة الاجور ونفقات الدعم وخوصصة بعض المنشأت العمومية او حوافز الاستثمار وسياسة التداين وغيرها من السياسيات التي فوتت فيها الحكومة عن نفسها فرصة جعلها موضوع نقاش عام.

نقاش عام خشيت منه الحكومة وغفلت عن انه اساسي وضروري لا لكشف الاجراءات بل لشرح اسباب اتخاذها ونتائجها المنتظرة، اي ان تكشف الحكومة عن عناصر خطتها الاصلاحية وتسمح للمختصين وللشارع التونسي بالتفاعل معها وتفكيكها لتكون محل نقاش موضوعي يشرحه للناس ويفسر ضرورتها ولماذا لا يمكن تاجيلها، بل الاهم انه يشرح للناس نوع التضحيات التي تطلب منهم وتقديم مقابل لها، اي نتائج تضحياتهم وعما ستسفر عنه ونصيبهم من هذه الثمار.

هنا الامثلة بالعشرات اذ ان اي عنصر من عناصر خطة الاصلاحات الكبرى يستوجب ان يشرح بشكل مبسط للناس بما يمكنهم من فهم لماذا يجب القيام بهذا الاصلاح وتداعيات الاصلاح على معاشهم بشكل مباشر او غير مباشر والى اي مدى ستستمر تضيحتهم وفي نهاية هذه التضحية ما هو المستقبل الذي ينتظرهم وينتظر ابناءهم.

لكن عوضا عن هذا تتعمد السلطات الصمت وتترك الجميع، مستثمرين ومستهلكين، عاطلين وموظفين الخ، دون رؤية عما ينتظرهم خلال السنة المقبلة، وهذا ينمى الشعور بالخوف وعدم الامان لديهم بما يحول دون ان يفتح لاحقا نقاش عام عن الاصلاحات، وهذا قد يحدث مع عشية تنفيذها، وهنا ستجد الحكومة والرئاسة صعوبات جمة في كسب ثقة الناس اولا لتقنعهم بمرويتها أي ان الخيار الذي انتهجته الرئاسة القائم على التكتم واخفاء المعلومات والمعطيات في علاقة بقانون المالية ستكون له آثار وخيمة عليها هي، فهي التي حالت دون ان تتوفر مساحة نقاش قد تثمر عن توفير ارضية ملائمة لتنزيل الاصلاحات، اي عن توفير مقبولية لها لدى الشارع الذي سيجد نفسه يكتشف منذ بداية جانفي «خيارات» حكومته وقانونها تباعا مما قد يولد موجات من الغضب والصدام.

غضب كان يمكن تلافيه بالشرح والنقاش للحيلولة دون صدمات تنهى ما تبقى من بناء هش لاقتصاد الدولة وماليتها التي تحملت خلال السنوات العشر صبيانة الحاكمين وتتحمل اليوم تهافتهم وعدم ادراكهم ان الاصلاحات الكبرى، سياسية او اقتصادية لا يمكن ان يقع تمريرها دون نقاش فعلي يفككها لمعرفة مالمستقبل الذي تبشرنا به وهل ان هذا المستقبل صالح لنا فعلا ام هو احلام البعض اريد لها ان تصبح كابوسنا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115