في هذا المجال، بل انه يقدم التحركات الاحتجاجية ضده على انها دليله على حمايته للحقوق والحريات التي ينص عليها البابان الاول والثاني من الدستور، وهما البابان اللذان لم يعلق الرئيس العمل بهما وفق المرسوم عدد 117 الصادر في 22 سبتمبر الفارط.
لكن وبعيدا عن مستوى الخطاب ومقاصده، ما يسجل على الارض مختلف كليا عن تعهدات الرئيس، ولنا في الساعات الـ48 الفارطة، مثلان صارخان عن الانتهاكات المتكررة لحقوق التونسيين وحرياتهم، منع الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب من الالتقاء بموقوفين على خلفية مشاركتهم في احتجاجات الـ17 من ديسمبر الجاري في شارع الحبيب بورقيبة، وثانيا اقتياد صحفي والتحقيق معه على خلفية تأمينه لمتابعة اعلامية لوقفة احتجاجية لعمال الحضائر يوم امس الاثنين بساحة القصبة.
حادثان، كشف عن اولهما رئيس الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب فتحي الجراي الذي اعلن انه تم منع الهيئة من إجراء محادثة فرديّة مع موقوفين من معتصمي شارع بورقيبة من قبل اعوان الامن في «سابقة خطيرة و غير مبررة».
اما الثانية فقد تعرض الصحفي بوكالة تونس افريقيا للانباء محمد الناصر المولهي الى مضايقات من اعوان امن قبل اقتياده الى مركز الامن لاستجوابه على خلفية قيامه بمهامه الصحفية، حيث تعرض الزميل الى « عنف معنوي» وتهديد بتوجيه تهم إليه والسبب قيامه بمتابعة صحفية للوقفة الاحتجاجية التي نظمها عمال الحضائر امس في ساحة القصبة.
عمل صحفي قاد الزميل الى التحقيق معه ومحاولة دفعه الى الكشف عن مصادره وعن ما حملته التصريحات الصحفية التي دونها على لسان المحتجين، ووقعت مواجهته بعون امن كان يدون كل حركاته وتصريحاته اثناء تأمين تغطية اعلامية للحدث مع التلويح بتوجيه تهم عدة له لترهيبه بهدف الحصول على دفتر ملاحظاته الخاص ومعرفة مع من تحدّث اضافة الى محاولة دفعه ليكون «مخبرا» يقدم للأمن المعطيات عن المحتجين.
حادثتان تسلطان الضوء مرة اخرى على الخطر المحدق بالحريات في ظل التدابير الاستثنائية وهيمنة سردية السلطات التي تقتصر على التخوين والتشكيك في كل معارضيها بما يجعلهم هدفا لانصار السلطة او لاجهزتها.
وهنا لم يكن مردّ الانحراف «انصار» ليقع تقديم الامر على انه حماسة زائدة او سوء فهم لخطاب سياسي جديد، بل هو انحراف صادر عن مؤسسة تنفيذية وهي وزارة الداخلية التي منعت هيئة وطنية من القيام بدورها وضمان عدم تعرض الموقوفين الى انتهاكات جسيمة من قبل اعوان الامن اضافة الى محاولة منع نشر اخبار ومعطيات عن الاحتجاجات.
ما نراه اليوم اننا امام سياسة رسمية للدولة هدفها غلق قوس الحريات بشكل كلي تحت شعار «تطبيق القانون» الذي كان حجة لمنع احزاب سياسية من الاحتجاج يوم الجمعة الفارط، وسببا لتبرير ما يحدث باسم سلوكيات فردية او انحرافات سيقع تقويمها.
ولكن بعيدا وعن هذا الخطاب المنتظر من السلطة، إذا قررت الحديث بشكل صريح وام تنتظر كلمة للرئيس التي ينفي فيها ويهاجم كعادته، تشير الاوضاع العامة الى تدهور في الحريات العامة والفردية على حدّ سواء، تضييق على الجميع ومحاولة ترهيب وتهديد صريح ومبطن لكل من هم من خارج دائرة الانصار والمريدين لمشروع الرئيس السياسي.
هذا ليس مجرد انزلاق او انحراف فما يوفره الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية من معطيات تفيد باننا امام تصور «سلطوي» للحريات وللحقوق يجعل منها منة او هبة من القيادات السياسي وليس حقا يكفله الدستور، الذي علقت ابوابه منذ 22 سبتمبر 2021.
تصور كشف في مناسبات محدودة عن كنهه فالرئيس ليس مع المساواة ولا مع حرية الضمير التي يعتبر الفصل الـ6 من الدستور الذي يشير اليها «فصلا على المقاس غير قابل للتطبيق» اما عن الحريات السياسية فالمشروع غير مخفي وهو انهاء وجود الهياكل الوسطية من احزاب ومنظمات وتعويضها بالشعب مباشرة.
هذا التصور انتقل من قصر قرطاج ليستبطن لدى وزارة الداخلية التي انتهك نفر من اعوانها حقوقا وحريات لتونسيين، وإذا كان اول المطر غيث فان اول الاستبداد انتهاكات يقع تبريرها قبل ان تصبح واقعا يطبع معه الشارع خوفا او رغبة في مكسب سياسي.
أجهزة الأمن تمنع وتضايق النشطاء والصحفيين: انتكاسات بالجملة وانحراف إلى الاستبداد
- بقلم حسان العيادي
- 11:00 21/12/2021
- 953 عدد المشاهدات
في كل مناسبة تتوفر له يشدد رئيس الجمهورية على انه يحمى الحقوق والحريات وانه لن يتراجع ابدا عمّا حققته البلاد من مكاسب