هل تحوّل موقع المؤسسة العسكرية؟

يتابع العالم باهتمام شديد، ما يجري في تونس بعد 25 جويلة، من قرارات وأحداث وردود أفعال وتحرّكات.ومن المواضيع التي أثارت فضول المحلّلين والصحفيين

وغيرهم دور المؤسسة العسكرية في «الانقلاب» وفي حماية «النظام القائم» وتعزيز سلطته. فبعد أن ظلّت هذه المؤسسة طيلة عقود، محافظة على حيادها السياسي صارت «فاعلة» في المسار السياسيّ من خلال أشكال متفاوتة كتحويل عدد من القضايا المدنية(10 حالات) إلى المحاكم التابعة لها(3)، في محاولة للتصدي لكلّ انتقاد يوّجه إليها أو إلى الرئيس. وهذا التحوّل من موقف «الحياد» إلى «الفعل» أثار حفيظة عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي ودفعهم إلى تكوين لجنة متابعة تدرس دور المؤسسة العسكرية في مسار التراجع الديمقراطي «democratic backsliding والنظر في مدى توظيف السلطة القائمة للمؤسسة العسكرية لفرض إرادتها.

تشير التقارير الأمريكية المنجزة حول الموضوع وتصريحات عدد من القيادات العسكرية من المتقاعدين لصحف أجنبيّة كـ Le Monde و the Telegraph إلى استياء أغلب أبناء المؤسسة العسكرية من الطبقة السياسية «الفاسدة» التي لا همّ لها سوى تحصيل «السلطة والمال»، وهو ما جعل الجيش يقبل بتنفيذ أوامر الرئيس بغلق البرلمان ومنع رئيسه ونوّاب الشعب من الدخول.

ولكنّ وعي المنتمين إلى المؤسسة بخطورة الانجراف وراء خدمة الأهداف السياسية جعلهم يتّخذون إجراء يُستشفّ منه محافظة المؤسسة على موقف الحياد وذلك حينما قرّر الجيش في أكتوبر الماضي، حماية البرلمان من داخل أسواره وتجنّب الاحتكاك بالمحتجّين على إجراءات 25 جويلية ، وهو ما يعني أنّ التأييد لقرارات 'سعيّد' لم يكن مطلقا. وبالفعل ظهرت على مرّ الشهور، بوادر قلق من تجميع الرئيس لكلّ السلط عبّرت عنها بعض القيادات العسكرية.

لاشكّ أنّ المؤسسة العسكرية اعتبرت في نظر دارسي التاريخ المعاصر، والعلوم السياسية وغيرهم مؤسسة «غير مسيّسة ومحايدة» منذ الخمسينات، وهو ما جلب لها التقدير والاحترام خلال العشرية الماضية. إذ لم تتدخل في أحداث الثورة، واكتفت بحماية مؤسسات الدولة. ولذلك نالت ثقة التونسيين/ت. فحسب دراسة احصائية اعتبر أكثر من 85 ٪ أنّ لهم ثقة في الجيش ولا يثقون بالسياسيين أو النخب أو... وعبّر عدد من التونسيين في أكثر من مناسبة تعقّدت فيها الأوضاع السياسية، عن رغبتهم في أن يتولّى الجيش حكم البلاد.

إنّ ما يسترعي الانتباه في موقع هذه المؤسسة هو أنّها عرفت مسار تحوّل انطلق منذ 2017 تمثّل في تمكين المنتمين لها بالمشاركة في الانتخابات، واتّضح هذا التحوّل أكثر مع إلقاء الرئيس لخطابات عديدة أمام جمع كبير من الجنود في مناسبات مختلفة وتكليف الجيش بأدوار متعدّدة كتشريكه في حملات التلقيح وإحالة عدد من القضايا المتصلة بحرية التعبير على المحاكم العسكرية ثمّ تعيين الجنرال عليّ مرابط في شهر أوت الماضي وزيرا للصحة. وهو ما جعل بعض الصحفيين الأجانب والدارسين السياسيين يتحدثون عن منح المؤسسة العسكرية مجموعة من الامتيازات مقابل ضمان تعزيزها لسلطة الرئيس.
وفي المقابل تعدّدت الدراسات والمقالات الصحفية الغربية التي حوّلت المؤسسة العسكرية التونسية إلى موضوع للمتابعة والتمحيص، رغم قلّة عدد المنضوين تحتها وضعف ميزانيتها وعدم اضطلاعها بدور سياسيّ هامّ، قلّت عناية المحلّلين التونسيين والدارسين بالنظر في تموقع المؤسسة العسكرية ومختلف أدوارها ووظائفها. فهل يعود الأمر إلى ممارسة الرقابة الذاتية في مستوى اختيار مواضيع البحث في ظلّ تضاعف تحويل القضايا إلى المحاكم العسكرية؟ أم أنّ للأمر صلة بتأثير تدهور الأوضاع الاقتصادية في ردود فعل المنتمين للطبقة الوسطى الذين لم يعودوا حاملي مشروع الديمقراطية والتحديث ؟ أم أنّ ميل أغلبهم إلى اتخاذ موقع «المشاهدة» والتريّث wait and see بحجّة أنّ المسائل والمواقف غير واضحة هو الذي حال دون فتح النقاش حول مصير المؤسسة العسكرية بعد إجراءات 25 جويلية؟

ومهما تعدّدت الأسباب فالاستنتاج الذي نخرج به هو أنّ الآخر يستبق فيفكّر في الذي نعتبره غير مفكّر فيه وغير مطروح في حلقات نقاش المتخصصين والإعلاميين ومختلف مكونات المجتمع المدني، وهو أيضا الذي يعطي قراءته التي قد تتحوّل إلى عامل موجّه لرؤيتنا لمؤسساتنا ولذواتنا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115