اسوء ازماتها المالية. التي لن تغادرها الا باتفاق مع صندوق النقد الدولي يضمن لها القدرة على الخروج الى السوق المالية والاقتراض لتوفير احتياجاتها المالية.
وضع معقّد وصعب، لم تنجح الخطوات السياسية التي اعلن عنها الرئيس منذ 13 ديسمبر الفارط في حلحلته رغم تلقف البعض لتصريح «نيد برايس»، المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يوم الثلاثاء الفارط الذي اعتبره بمثابة مؤشر على قرب انفراج الازمة المالية في تونس. وفق قراءة سياسية قوامها ان الدعم الامريكي سيحث الصندوق النقد الدولي على دعم تونس.
وقد يكون هذا ما وقع البحث عن فهمه من تصريحات رسمية لادارة جو بايدن مفادها انها «ترحّب بإعلان الرئيس قيس سعيّد عن جدول زمني يرسم مسارا للإصلاح السياسي والانتخابات البرلمانية»... وانها ستظل ملتزمة بالشراكة بين الولايات المتّحدة وتونس».
هذا التصريح ورغم ما يلتقط منه من بوادر انفراجة في المشهد التونسي تتمثل في اعادة تقييم مواقف الدول الكبرى من السلطات التونسية وتلك خطوة اولى في اتجاه كسر حالة الجمود والفتور في العلاقات الدولية بشكل عام، الا انه لا يمثل -ولو من قريب- خطوة نحو حل الازمة المالية.
فالموقف الامريكي، على اعتبار انه مفتاح كل خزائن الارض، ليس إلا اعلانا عن ترحيب بوضع خارطة طريق ومواعيد للانتخابات البرلمانية وهي إحدى المطالب التي رفعتها القوى الدولية وكررتها كثيرا على رئاسة الجمهورية جنبا الى جنب مع طلب عدم المساس بالمؤسسات الديمقراطية والدستورية، وهنا ليس خافيا ان الطلب هو ان اصلاحات النظام السياسي والانتخابي لا يجب ان تلغى الديمقراطية التمثيلية. وهو ما يناقض مشروع الرئيس القائم على البناء القاعدي.
بعيدا عن الموقف الامريكي، أيا كانت قراءته وثقله. محددات الخروج من الازمة المالية في تونس لا تشمل قائمتها هذا الترحيب. بل تشمل شروطا معلومة للجميع قدمها صندوق النقد الدولي واعلن عنها في عدة بيانات.
ومن بين شروطه التحكم في كتلة الاجور ونفقات الدعم ضمن خطة اصلاحات يطالب بها صندوق النقد الدولي تونس ويشترط عليها ان تكون معلنة وتحظى برضا الاتحاد العام التونسي لشغل وكل القوى الاجتماعية.
خطة لم تعلن بعد للعموم، الى ان تحدث يوم الثلاثاء نور الدين الطبوبي امين عام اتحاد الشغل وقال ان الحكومة اقترحت على الاتحاد ان يقع التخفيض في كتلة الاجور بـ10 نقاط اي حوالي 2 مليار دينار تونسي. اضافة الى اعلانه عن ان الحكومة تخبرهم في الغرف المظلمة بانها في عجز مالي كلي فيما تقدم خطابا رسميا للشارع مناقض تماما.
ما قاله الطبوبي كشف لاحد عناصر خطة الاصلاحات الكبرى التي تقدمت بها الحكومة والتي يبدو انها لا تقف عند التحكم في كتلة الاجور وتخفيضها بـ2 مليار دينار عبر وقف صرف المنح والامتيازات المالية للموظفين والعاملين في القطاع العام والوظيفة العمومية، اي انها لن تقوم بتخفيض الاجر الشهري بل ستقلص من المدخول السنوي بوقف صرف المنح ومنها الاجر الـ13 على سبيل المثال.
هذه النقطة في خطة الاصلاحات الكبرى التي تقدمت بها الحكومة هدفها توفير 2 مليار دينار ليست الا نقطة فرعية في خطة الاصلاحات. اما النقاط الاساسية فهي تجميد الزيادة في الاجور الى غاية سنة 2024، وثانيا الرفع التدريجي للدعم خاصة على المحروقات مع الانطلاق في تنزيل خطة الدعم المباشر الموجه وسيكون مقتصرا على العائلات المعوزة اي على 200 الف عائلة تونسية فقط، وثالثا التفويت في عدد من المنشآت العمومية.
ثلاث نقاط اسياسية تعتبرها الحكومة الزامية لتنجح في الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ويبدو انها تبحث عن قبول الاتحاد العام التونسي للشغل بها لا فقط لتجنب حركات احتجاجية من الاتحاد بل لانه شرط أساسي وضعه الصندوق منذ سنة.
هنا نقف امام المحدّدات الفعلية لمغادرة ازمتنا المالية التي نرتهن فيها الى اتفاق يجمع بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي والذي إذا تم سيكون بمثابة شهادة معتمدة بان الدين التونسي مستدام وهذا هو ممر البلاد الى السوق المالية والى الاقتراض الخارجي. دونه نحن في ورطة فعلية.
ما تقدمه الحكومة من عناصر خطة اصلاحاتها الكبرى، سحب الامتيازات والمنح من الموظفين والعاملين في القطاع العام والوظيفة العمومية لسنة 2022، تجميد الزيادة في الاجور الى ما بعد قانون مالية 2024، واخيرا الرفع التدريجي للدعم واساسا على المحروقات، وهذا ليس الا تسليطا لجل العبء على الطبقة الوسطى بطريقة مباشرة وغير مباشر.
فخطط الحكومة تمس من معاش الطبقة الوسطى التي ستطالب بتقديم تضحيات مالية وتحمل تبعات السياسيات المالية العمومية في السنوات اي انها ستتحمل القسم الاثقل من فاتورة الاصلاحات. ولا يبدو ان اتحاد الشغل قد يقبل بها لا لانه يتعرض لهجوم من الرئيس في اكثر من مناسبة واخرها في خطابه يوم 13 ديسمبر الجاري. بل لادراكه انها ستؤثر سلبا على منظوريه.
الرهان اليوم هو كيفية اقناع الاتحاد وبعده الشارع التونسي بان يقبل بخطة الحكومة للاصلاح مع المراهنة على ان ثقل الرئيس السياسي و»الشعبية» والزخم الذي جمعه بخطوة 25 جويلية وبخطابه السياسي، كفيلان بتمرير هذه الاصلاحات دون رد شعبي مناهض لها وللحكومة التي تقدمت بها، والحال انها خيارات الرئيس الذي التزم في خطابه المعلن بعدم المساس بالمقدرة الشرائية للمواطنين.
هنا يتضح جليا اننا امام وضعية اعقد من ان يعالجها رسم لخارطة طريق او تحديد تاريخ الانتخابات بل نحن امام ازمة مالية قد لا يكون حلها الا بفرض اصلاحات تقحم البلاد في ازمة اجتماعية خانقة سيوفر لها المناخ السياسي الراهن كل عوامل التفاقم والانفجار.
هذه هي المعادلة التي على حكومة بودن ورئاسة الجمهورية ادراكها، ونحن سنكون في انتظار قانون مالية 2022 لنعلم الى اين تقود السلطة التنفيذية البلاد وكيف ستمرر هذه الاصلاحات وتحت أي بند.
في انتظار قانون مالية 2022 والإعلان عن الاصلاحات: كيف سيسوق تجميد زيادة الأجور، تخفيض الدعم والخوصصة
- بقلم حسان العيادي
- 11:51 16/12/2021
- 1258 عدد المشاهدات
للاسف الشديد يهيمن الملف السياسي وزمانه على المشهد التونسي برمته بما حجب منذ سنوات ولايزال الملف المالي والاقتصادي لبلاد تواجه