ان يطهره لما لحقه من «فساد» وتسلل السياسة إلى أروقة قصوره.
معركة، تكشف عن خطوات الرئيس وعلى انه أتمّ الاستعداد لها وبات قاب قوسين من اعلان ساعتها. فهذا ما تبينه التحركات الاخيرة التي جدت مساء الاثنين الفارط، لقاء بوزيرة العدل ولاحقا لقاء ثلاثي جمع سعيد بكل من وزيرة العدل ورئيس محكمة المحاسبات.
لقاءان كشفا بشكل جلى ان الرئيس سيعتمد ذات الاستراتيجية التي اثمرت ومكنته من تحقيق انتصارات في صراعه مع البرلمان والأحزاب والسياسيين وهي تقوم بالأساس على التقاط ما يراه الرئيس اخطاء واخلالات تعزز سرديته القائلة بان «القضاء مخترق من لوبيات الفساد والسياسة». وهذا ما يبرر تركيز الرئيس على استحضار مؤيدات تكشف تورط الجهاز القضائي في اخلالات وتكثيف الحديث عن خضوع بعض القضاة لاحزاب سياسية.
سردية يريد بها الرئيس ان يضغط اكثر على السلطة القضائية وان يحشرها في الزاوية. وهذا يتجلى بشكل صريح في حديثه مع وزيرة العدل واستحضاره لملفين يتعلقان بالقاضين البشير العكرمي والطيب راشد، واستدلاله بهما على انهما يثبتان ان القضاء في حاجة الى التطهير.
هنا مربط الفرس وهدف الرئيس الفعلي «التطهير». وهي الكلمة التي سجلت حضورها بشكل بارز في خطاباته المتعلقة بالقضاء ومنها انتقلت لباقي المجلات وباتت شعاره في صراعه ضد «المنظومة». التي يعلن الرئيس انه في حرب مفتوحة معها بهدف تغييرها كليا وهدم بنى الهيمنة وتعويضها ببنى جديدة تعبر عن الشعب وتخدمه.
لهذا فهو يتدرج في خطواته في مسار تغيير المنظومة، منذ 25 جويلية الفارط تاريخ تفعيل الفصل 80 من الدستور واعلان التدابير الاستثنائية التي باتت منظمة بامر رئاسي عدد117 الذي يمنح الرئيس صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة غير قابل للطعن.
تدرج يكشف ان قيس سعيد يمضى وفق مخطط محكم التفاصيل والاستعداد بهدف تحقيق نصره على المنظومة التي يستحضرها جنبا الى جنب مع «الفساد» والتنكيل بالشعب في سردية قامت على ان الشعب، اي التونسيين، هم ضحايا منظومة ممتدة من الاحزاب الى القضاء هدفها «الاستثراء» على حساب هذا الشعب. وهنا تتجزأ السردية لتمنح كل طرف يعتبره الرئيس عنصر من عناصر منظومة الهيمنة حيزا خاصا به في ينطق من الانطباع العام الذي تراكم في السنوات العشرة الاخيرة.
انطباع يعززه الرئيس بخطابه، اذا تعلق بالسياسيين او قادة الهياكل الوسيطة والمنظمات ورجال الاعمال وغيرهم الى ان يصل الى القضاء، وهذا ما قام به الرئيس منذ 25 جويلية تاريخ اعلانه عن انه سيكون رئيس النيابة العمومية وهو ما قابلته السلطة القضائية بالرفض.
رفض دفع الرئيس الى ان يجعل من القضاء وما يطاله من شبهات خبزه اليومي وملح خطاباته، ليتطور الامر تباعا من التصريح المبطن بضرورة ان ينصلح حال القضاء لينصلح حال الشعب الى الحديث الصريح والمباشر عن ان الرئيس انطلق في معركة «تطهير القضاء».
معركة يقول انه لا يهدف من خلالها الى الهيمنة على القضاء بل الى «تحريره» وضمان استقلاليته التي يعتبرها غير محمية في ظل منظومة قضائية مخترقة. ولتحقيق هذه الاستقلالية يجب تطهير الجسم القضائي من «شوائبه» وهذا لا يتم الا بتدخل الرئيس عبر مراسيم وقوانين تيسر عملية التطهير.
هنا يبرز ان معركة سعيد مع القضاء ليست إلاّ انهاء لجولة اولى في صراعه مع المنظومة. ولا يمكنه الانتقال إلى الثانية ما لم يتحقق من ان كل السلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية التحقت بـ25 جويلية وبمسار «تصحيح الثورة» والانفجار الثوري وعودة السلطة للشعب.
وعليه فان هذه الجولة مهمة وإستراتيجية لدى الرئيس دونها لا يمكنه الذهاب بعيدا في مشروع اسقاط المنظومة، من وجهة نظره، وهذا ما يبرر تسارع خطوات الرئيس في مواجهته للسلطة القضائية وانتقاله من التلميح الى الوسم الصريح فالتحذير المباشر قبل الدخول في الصراع.
تدرج انتهى منه الرئيس وفي كل مراحله كان جليا انه يبحث عن حاضنة من القضاة تمكنه من فرض تصوراته الاصلاحية على السلطة القضائية، وهي تصورات ستكشف عن نفسها عبر مرسوم المجلس الاعلى للقاء الذي كلفت بصياغته وزيرة العدل.
مرسوم يقول الرئيس انه يهدف الى تحرير القضاء ولكنه بالاساس يبحث عن تغيير المعادلة في المجلس الاعلى للقضاء لترجيح كفة «25 جويلية» صلبه بما يضمن انخراطه الكلي في باقي مسار مشروع «التحرر» الذي اعلنه الرئيس منذ اسابيع.
معركة فرضها الرئيس على السلطة القضائية التي وجدت نفسها اليوم في مواجهة صريحة ومفتوحة مع القصر، وقد حوصرت من الزوايا الاربع وفقدت الدعم والإسناد من خارجها لانشغال كل طرف بمعركته المباشرة مع الرئيس.
قيس سعيد و السلطة القضائية: حرب على الفساد أم محاولة لفرض الالتحاق بمسار 25 جويلية ؟
- بقلم حسان العيادي
- 09:30 03/11/2021
- 980 عدد المشاهدات
يبدو ان رئيس الجمهورية قيس سعيد يستعد للدخول في «ام المعارك» كما يعتبرها وهي معركته مع «القضاء» الذي يريد