في أقرب الآجال لتمكين الشعب التونسي من المشاركة في حوار وطني.
وكعادة بلاغات رئاسة الجمهورية إذا تعلق الامر بالتطرق لملف الحوار او أي خيارات سياسية فانها تحرص على ابراز الفرق بين القديم الماضي والجديد المختلف، فهذه المرة ووفق الرئاسة -هذه المرة- سيكون الحوار الوطني حقيقيا لانه سيمكن التونسيين وخاصة الشباب منهم من تقديم مقترحاتهم وتصوراتهم في كافة المجالات.
فالبلاد ورئاسة الجمهورية وكل مؤسسات الدولة باتت اليوم -بعد ان اصبحت السلطة مجمعة بيد الرئيس- حريصة على «تشريك كل التونسيين في الداخل و الخارج في هذا الحوار الوطني والاستماع إليهم والإنصات إلى مطالبهم» كما ورد ذلك في البلاغ.
بلاغ سبقه بساعات لم تتجاوز 24 كلمة لرئيس الجمهورية ألقاها في ثاني اجتماع للمجلس الوزاري. وتناولت عدة نقاط ولكن اهمها كان ملف الحوار الوطني، الذي قدم الرئيس تصوره بشأنه وحدد ملامحه العامة وقدم جزءا من مضامينه.
فالرئيس الذي يشدد دائما على انه يرفض الحوارات في شكلها التقليدي، أي الحوارات التي تقام بين الاجسام الوسيطة، -وهي هنا الأحزاب والمنظمات. وهو غير مستعد لمثل هذه الحوارات اولا لانها غير مجدية وثانيا لأنها قد تسمح بمشاركة اللصوص.
لذا فان الحوار الوطني والشعبي الحقيقي وفق مقاربة الرئيس «لن يشمل كلّ من استولى على أموال الشعب أو من باع ذمّته إلى الخارج» كما ان هذا الحوار «الوطني الصادق والنزيه» سيشارك فيها اساسا الشباب، وهو مفتوح للكهول كما انه «مختلف تماما عن التجارب السابقة».
فهذا الحوار الذي يقدمه الرئيس يقوم على ان يمنح الشباب خاصة والتونسيون عموما حيزا زمنيا لتقديم مقترحاتهم عبر «تطبيقة» ولاحقا يقع عقد مؤتمر وطني لصياغة مقترحات تأليفية»، أي ان المؤتمر سيكلف بصياغة المقترحات النهائية النابعة من الشعب ومن الصادقين والصادقات وفق وصف الرئيس الذي اكد ان الشعب التونسي سيقدم مقترحاته في كل القضايا التي تهمه ومنها مسألة التعديلات الدستورية والقانون الانتخابي ونظام الحكم.
ما يقدمه الرئيس من تصورات بشأن «الحوار الشعبي» محاكاة لمشروعه السياسي الذي يطلق عليه اسم «الديمقراطية القاعدية» أي ان الرئيس يريد ان يجعل من الحوار الوطني المخصص للشباب اساسا وفق قوله، اختبارا للديمقراطية القاعدية بالتدرج في تقديم المقترحات والمشاركة في ادارة الشأن العام من القاعدة الى القمة.
هذا الحرص يريد منه الرئيس كسر ما يعتبره «هيمنة النخبة» على الشأن العام وإدارة الحكم ومن أجل تحقيق ذلك يقوم بفتح الحوار ليكون شاملا وممتدا في الزمن بهدف تصعيد مقترحات نهائية في المؤتمر الوطني تنسجم مع تصور الرئاسة.
فالرئاسة وبعيدا عن ما تقدمه من مسوغات وتصورات. لديها مصلحة في جعل الحوار مفتوحا وشاملا. فهذا سيمكن الرئيس من توفير حاضنة ودعم شعبي لتصوراته السياسية خاصة في علاقة بالنظام الانتخابي ومنظومة الحكم. اذ انها ستسوق على انها افرازا للحوار وهي مطلب شعبي، أي مشروع طيف واسع من التونسيين وليست مشروع الرئيس وحده.
هذا التسويق سيكون ورقته في مجابهة الداخل والخارج معا وفق تقديره، كما انه سيخفف عنه الضغط مهما كانت النتائج، فالرئيس في النهاية يعتمد مقولة «الشعب يريد» وطالما ان الشعب اراد فإن مهمته ودوره تحقيق هذه الارادة.
ما يقدمه الرئيس سعيد هو «حوار شعبي» كما اطلق عليه في كلمته بالمجلس الوزاري وهذا الحوار الشعبي الذي قد يمتد لأكثر من 6 أشهر سيقدم تصورات لتونس جديدة. وسيقترح قوانينها ونظامها السياسي ليستجيب لرغبة الشعب لا لحسابات «العصابات» التي يقول انها تستعين بالخارج للتاثير على القرار الوطني.
وقد اختار سعيّد في صراعه الراهن ان يجعل الامر «حرب تحرير» يواجه فيها «الشعب» عدوه الخارجي و»عملاءه» في الداخل، وهذا تجسد بتطرقه لموضوع الاستعمار الفرنسي الذي شدد عله انه استعمار وليس حماية، وهو من سبق له اثناء زيارته لفرنسا ان وصف الامر على انه حماية.
نقل المعركة الى مربع حرب التحرير وجعل الامر وكان الشعب التونسي يواجه اعداه الداخليين والخارجيين الباحثين عن تطويع ارادته وتوظيفها لصالحهم، مغامرة بتعزيز انقسام الداخل وتغذية الاستقطاب بين «ديمقراطية الشعب» وديمقراطية النخب والاحزاب، وهذا استمرار للتعبئة من قبل الرئيس ضد النخب ومواصلة في تقديمها على انها «عدوة الشعب».