الرئيس وضغط المجتمع الدولي: ماذا تخفي مطالب « الديمقراطية البرلمانية»؟

بعد أيام معدودات من الخامس والعشرين من جويلية 2021، تاريخ تفعيل الرئيس قيس سعيد للفصل 80 من الدستور وتجميد اختصاصات البرلمان وإقالة الحكومة،

برزت مواقف الدول الغربية الكبرى وهي تلك التي تجمعها علاقات مع تونس وتدعم مسار انتقالها الديمقراطي.

مواقف كانت صريحة في حذرها مما عقب خطوة تعليق اشغال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، وقد حافظت في البداية على نقطة تقاطع مع الرئيس بعدم الذهاب الى قطيعة كلية اذ لم تعتبر ما حصل في 25 جويلية انقلابا كما سعت الى ذلك القوى الرافضة لخطوة الرئيس على تسويقه في العواصم الغربية.
رفض اعتبار خطوة 25 جويلية انقلابا، لا يعنى ان هذه العواصم اصطفت خلف سعيد في صراعه مع الاغلبية البرلمانية واساسا حركة النهضة. بل كانت المواقف الصادرة عن الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية حذرة في اختيار الكلمات وفي تقييم الوضع العام بتونس.
لكن خطوات الرئيس اللاحقة واختياره المضى بنسق بطيء قال ان سببه «الفرز»، قبل اقدامه على تكليف شخصية بقيادة الحكومة واختيار اعضائها او الكشف عن الخطوات القادمة له ووضع خارطة طريق بمواعيد ثابته، جعل العواصم الغربية كما يصفها الرئيس في خطاباته الاخيرة تتجه الى الضغط على تونس وتقديم مطالب صريحة .
مطالب تعلقت بتشكيل حكومة وتنظيم حوار وطني عقب ذلك تشرف عليه الحكومة اضافة الى العودة الى الدستور وضمان الديمقراطية البرلمانية، مطالب تتقاطع فيها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، فهؤلاء الشركاء الماليون والاقتصاديون لتونس، جعلوا دعمهم المالي مقترنا بما يتحقق من مطالبهم.
مطالب وقع النظر اليها في تونس على انها «مناهضة» للرئيس وتسلط عليه ضغطا قد يدفعه الى خيارات غير مدروسة، ولكن التمعن فيها وفي المفردات والمصطلحات المستخدمة في البلاغات والبيانات وبل في تصريحات نواب او فاعلين في الحكم سواء أكانوا في الاتحاد الاوروبي ودوله الرئيسية او في الولايات المتحدة.
ففي كل البيانات والمواقف الصادرة عن هاتين القوتين، كانت هناك اشارة واضحة إلى انها لا تقف في صف خصوم الرئيس ولا تدافع عن مواقفه او عودتهم للسلطة، بل تكشف عن ان مطالب العواصم الغربية بالاساس هي «ضمان الديمقراطية» وهنا يقرأ كل طرف في المعادلة التونسية الامر من منظور رغباته وامانيه. في حين ان المواقف السياسية الواضحة للعواصم الغربية تستبطن بشكل صريح ادراكها ان العودة لما قبل 25 جويلية غير ممكنة وستجابه برفض شعبي وقالت منذ البداية انها تتفهم اسبابه وانها تنتصر لارادة الشعب.

لكن الارادة التي تنتصر لها هذه العواصم مختلفة عن التي يقدمها الرئيس في خطابته ويبشر بها عبر تنزيل «نظام حكم جديد» كشفه المقربون منه بانه نظام الديمقراطية المباشرة والانتخابات القاعدية وسحب الوكالة، اي نظام تكون فيه للرئيس السلطة المطلقة في البلاد في حين يتحول المجلس الى مجلس تسحب منه صلاحياته ومهامه.
تصور دفع بالقوى الغربية التي قامت خلال السنوات العشر الفارطة بدعم تونس ماليا الى ان تعلن صراحة عن رفضها ان تواصل الدعم لتونس إذا قام الرئيس بتنزيل هذا المشروع السياسي، لذلك طالبته بان يقع التشاور والنقاش في التعديلات الدستورية وتنقيح القانون الانتخابي وذلك بإقامة حوار وطني.
اليوم بعد تطورات عدة انطلقت من اصدار الامر 117 وتكليف رئيسة حكومة وانطلاقها في العمل منذ الاثنين 11 اكتوبر الجاري، ظل الموقف الصادر عن شركاء تونس وداعميها متمسكا بنقطة «الديمقراطية البرلمانية».
هذه النقطة ليست انتصارا للبرلمان المجمد، بل هي طريقة ديبلوماسية لتقول بها القوى الغربية انها تطالب بانتخابات تشريعية تشارك فيها الاحزاب، وتطالب بأن يقع الفصل بين السلط فعليا بان تكون السلطة التشريعية ممثلة في برلمان قوي تشارك فيه الاحزاب وليس نظاما مجلسيا.
ما تطالب به العواصم الغربية هو ترسيخ ديمقراطية لا تقصى الاحزاب والنخب، وما تحرص عليه ان لا ينفرد الرئيس قيس سعيد بكل الصلاحيات والسلطة، لذلك فهي تشدد على انها تدعو الى ديمقراطية برلمانية كي تحقق مطالب مبطنة. وهي وضع سقف زمني للاجراءات والتدابير الاستثنائية، عودة الحياة الحزبية والاستعداد لانتخابات تشريعية مبكرة تقام وفق القانون الانتخابي القادم وعلى ضوء التعديلات الدستورية. التي تجعل العواصم منها «شرطا» لدعم مالي لتونس، وهنا الشرط ان لا يقع المساس بجوهر النظام السياسي الديمقراطي، هنا لا يهمها أن يكون رئاسيا او برلمانيا، بقدر اهتمامها بأن يكون هناك برلمان مستقل عن الرئاسة وقادر على مراقبتها ومحاسبتها وفق ما ينص عليه الدستور.
هذا ما تطالب به العواصم وتدعو اليه كشرط لتقديم دعم مالي للبلاد التي تواجه صعوبات جمة، وهذا لا يضع الرئيس في موقف سيء إذا ادرك حقيقة ما تطالب به العواصم الغربية ونجح في طمأنتها وطمأنة الداخل بان البلاد لن تمضي بقفزات الى الهاوية والمجهول عبر ترسيخ نظام سياسي وانتخابي لا احد يعلمه غير الرئيس ليناقشه ويفهم مكامن قصوره.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115