شبه مغلقة امام اي فاعلين غير الرئيس بما في ذلك الحكومة ورئيستها نجلاء بودن.
هيمنة على الفضاء السياسي عبرت عن نفسها بشكل صريح طوال الفترة الممتدة منذ 25 جويلية وعبرت عن نفسها اكثر مع قدوم حكومة نجلاء بودن التي ادت اليمين الدستورية مع حكومتها في 11 من الشهر الجاري وشاركت في اول مجلس وزاري يوم الخميس الفارط.
قدوم نجلاء بودن رئيسة الحكومة التونسية الحالية لم يغير المشهد اذ ظل الرئيس هو المهيمن على المشهد برمته بما في ذلك المشهد الحكومي، وهذا ما تجسد في كلمته اثناء موكب اداء اليمين وفي كلمته لدى ترؤسه للمجلس الوزاري. هيمنة يستمدها الرئيس من الامر الرئاسي عدد 117 الذي جمع بيده كل السلطة التنفيذية وجعل من الحكومة ذراعا تنفيذيا للرئيس وآداته لتنزيل سياساته العامة وخياراته.
هذا ما كشفته اشغال المجلس الوزاري الاول لحكومة بودن، وعبر عنه في بلاغ الرئاسة المتعلق بالمجلس الوزاري، الذي ترأسه الرئيس ووقعت فيه المداولة بشأن مشاريع مراسيم، ولكن الاهم هو الاشارة الصريحة الى ان الرئيس « أسدى تعليماته بملاحقة المحتكرين، ودعا وزيرة التجارة وتنمية الصادرات الى تسعير عدد من المواد وفق ما يسمح بذلك القانون».
فالرئيس وان احتكر وفق الفصلين 8 و9 من الامر عدد 117 صلاحية وضع السياسات العمومية، اي يختص برسم سياسات الدولة التونسية وسياسات الحكومة فانه اضاف لهيمنته على الفضاء السياسي لعمل الحكومة هيمنة على الفضاء الذي يتقاطع فيه التقني بتفاصيل الحياة اليومية للتونسيين.
هيمنة تجعل رئيسة الحكومة اقرب إلى منسقة عامة في ملفات سياسية او اقتصادية واجتماعية، وهذا يجعلها تفتقد الكثير من الفضاءات للتحرك خاصة وانها اليوم تقف امام حزمة من الرهانات الصعبة، داخليا وخارجيا.
فرئيسة الحكومة التي ستتولى ادارة المفاوضات مع الفاعلين في الداخل وخاصة مع الشركاء الاقتصاديين والماليين لتونس الخارجيين، ستكون مقيدة الحركة في ظل ضيق الهامش الممنوح لها للتحرك. فهي في عدة ملفات ذات انعكاس سياسي او اجتماعي واقتصادي ستكون في انتظار قرار الرئاسة.
اي ان الحكومة ورئيستها خاضعتان كباقي المشهد لهيمنة الرئيس وباتتا جزءا من ظله الا في ملفات تقنية بحته لا انعكاس مباشر جلي لها على حياة التونسيين، وهذا فضاء محدود جدا. مقارنة بالفضاء الحكومي الذي يهيمن عليه الرئيس اما بمن اختارهم من وزراء او بالصلاحيات التي اختص بها.
وضعية ستتجلى تعقيداتها اكثر في مسار المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية التي لن تستطيع الحكومة تقديم تعهدات ملزمة لها دون العودة للرئاسة، وهذا سيتجلى في ملف الاصلاحات الكبرى المطالبة بها تونس، تخفيض كتلة الاجور التحكم في الانفاق العمومي بما يشمل صندوق الدعم. اي ان الرئاسة هي التي ستقود المفاوضات عبر «واجهة» حكومية.
اصلاحات سحبتها الرئاسة من القصبة بهيمنتها على الفضاء السياسي للحكومة التي سبق وأن تعهدت رئيستها نجلاء بودن في خطاب القسم بأنها ستعمل على استعادة ثقة الداخل والخارج في الدولة التونسية، وهي اليوم تواجه اول امتحان فعلي لها.
فالتصنيف الجديد لوكالة الترقيم الائتماني «موديز» يسلط ضغطا إضافيا على الحكومة وعلى البلاد بشكل عام. اذ انه يعقد عملية تعبئة الموارد المالية ويثير مخاوف المستثمرين. اي ان رئيسة الحكومة ستكون امام مهمة صعبة، فهي مطالبة باستعادة ثقة باتت في ادنى مستوياتها لدى شركاء تونس، دون ان يكون لديها هامش كبير للحركة.
فهي غير قادرة على التعهد او التفاوض كجهة مستقلة عن الرئاسة مع المؤسسات المالية، كما انها لا تستطيع اقرار سياسات عمومية بل تنفذ ما يرسم من قبل الرئاسة. اي انها ستتفاوض كـ«موفد» من الرئاسة مع هذه المؤسسات التي لا تخفي تحفظاتها على المشهد السياسي التونسي بعد 25 جويلية.
والتحفظات هنا لا تتعلق بالنسبة إلى هذا المؤسسات بأن تدعم الاجراءات او تعترض عيها، هي تحفظات تتعلق بالمناخ العام وخاصة الاجتماعي والاقتصادي الذي يجب ان يتوفر لمباشرة اصلاحات هيكلية كبرى تعتبرها حجر الاساس في اي اتفاق مع تونس أي انها تخشى من ان التوجهات العامة لرئيس الجمهورية تحول دون «استقرار» في البلاد قد يساعد على «توافق» في ملف الاصلاحات التي ستكون مهددة في ظل استقطاب حاد في الشارع و«صلابة» قصوى من الرئيس في تعامله مع بقية الفاعليين في البلاد.
خشية ستتلقها رئيسة الحكومة ولن يكون بيدها ان تجيب عنها بإجراءات تستعيد الثقة في البلاد وحكومتها.
في ظل هيمنة رئيس الجمهورية على المشهد والسلطة: في أي فضاء تتحرك الحكومة ورئيستها ؟
- بقلم حسان العيادي
- 11:18 16/10/2021
- 1430 عدد المشاهدات
انتقلت تونس ومنذ 25 جويلية الى مشهد سياسي يهيمن فيه رئيس الجمهورية على كل التفاصيل قبل ان يقع «تقنين» الهيمنة بالأمر الرئاسي عدد117، هيمنة جعلت الفضاءات السياسية