الرئيس والتدابير الاستثنائية الانتقالية واتحاد الشغل: من المساندة الأولية إلى التنبيه من مخاطر تجميع السلطات في يد واحدة

في 22 من سبتمبر الجاري دخلت البلاد في مرحلة الاحكام الانتقالية التي عززت موقع رئيس الجمهورية في منظومة الحكم

والتي بات يتحكم فيها دون خصم او منافس، ليصبح الرجل الاقوى في البلاد في انعدام قوة تحدث التوازن معه غير الاتحاد العام التونسي للشغل.
هذا الموقع كقوة وحيدة في البلاد يمكنها ان تحدث التوزان مع مؤسسة الرئاسة والرئيس يجعل أي موقف يصدر عن منظمة الشغالين مهما ويجب فهمه في سياقيه العام والخاص من ذلك الموقف الصادر عن البيان الاخير للمنظمة يوم أمس.
في هذا البيان أكد الاتحاد على «تمسّكه بما تضمّنته بيانات الاتحاد عقب 25 جويلية ويعتبر ما حدث فرصة تاريخية ... إلاّ أنّه يرفض محاولة اعتماد فشل هذه العشرية ذريعة للمقايضة بين الحرية واحتكار السلطة»، هذه الكلمات المفاتيح هي التي تشرح موقف الاتحاد مما يحدث في البلاد منذ 25 جويلية.
فالاتحاد وان كان يعتبر لجوء الرئيس الى التدابير الاتثنائية «فرصة تاريخية» للقطع مع فشل منظومة السنوات العشر الاخيرة والقصد فشل النهضة ومن حكم معها منذ 2011 الا أنه حذر من الانحراف بـ«الفرصة» الى الاستبداد والحكم الفردي.
تحذير اطلقه الاتحاد في كل بيانته الاربعة الصادرة منذ26 جويلية 2021، ففي اول بيان له اثر اعلان الرئيس عن تفعيل الفصل 80 من الدستور، طالب الاتحاد وأكّد على «وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية بجملة من الضمانات الدستورية» ومن هذه الضمانات «ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسّع والاجتهاد والمركزة المفرطة» وكذلك تحديد مدّة تطبيق الإجراءات الاستثنائية مع الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية والتشاركية في أيّ تغيير سياسي في إطار خارطة طريق تشاركية واضحة.
ماقاله يومها الاتحاد كرره في كل البيانات الثلاثة اللاحقة مع اضافة بند جديد وهو «المطالبة بتشكيل حكومة بكامل الصلاحيات». وكان آخرها بيان أمس الذي جاء فيه أنه يسجلّ «خلوّ الأمر الرئاسي من أيّ تسقيف زمني للحالة الاستثنائية التي أعلنها منذ 25 جويلية 2021 ويرفض استمرار التدابير الاستثنائية وتحويلها إلى حالة مؤبّدة». كما انه ينبّه من مخاطر تجميع السلطات في يد رئيس الدولة ويعتبر الدستور منطلقا ومرجعا رئيسيا كما ان تعديله او تعديل القانون الانتخابي شأن يخصّ جميع مكوّنات المجتمع ولا الرئيس فقط الذي «يحتكر» التعديلات.
أي أن ما يطالب به الاتحاد منذ 26 من جويلية الى اليوم ظل ثابتا وهو ان يستمع الرئيس الى «غيره» وان يحاورهم في ما يتعلق بشؤون البلاد ومصيرها فليس الجميع في سلة واحدة كما يريد الرئيس ان يوحي بذلك لانصاره مع كل كلمة يتوجه بها.
ما يدعوا اليه الاتحاد اليوم وفق بياناته وتصريحات قادته تحديد الاهم فالمهم، والاهم بالنسبة للاتحاد انقاذ البلاد من ازمتها الاقتصادية والمالية وهذا لا يتم إذا لم يستمع الرئيس للناصحين والمطالبين بحكومة «لها كل الصلاحيات» لادارة الازمة والذهاب في الاصلاحات الاقتصادية أي أن الاتحاد لا يكتفى بالاعلان عن رفضه لنهج الحكم الفردي او الاعراب عن مخاوفه بل يقدم للرئيس ما يعتبره مخرجا للبلاد من أزمتها الاقتصادية، وذلك هو الأهم أما المهم فهو الاصلاحات السياسية التي لا يراها ممكنه في ظظل نهج التفرد بالراي وان السبيل الاسلم لاقراراها هو الحوار.
هذا ما يطالب به الاتحاد ويدعو إليه حكومة تنقذ البلاد ومن الازمة الاقتصادية وتوفر مناخات مستقرة للطبقة السياسية ومؤسسات الدولة لفتح حوار شامل يتعلق بالاصلاحات السياسية والدستورية في اطار تشاركي بعيدا عن فرض الامر الواقع او تنزيل البرامج السياسية الخاصة.
مطالب لازال الاتحاد يرفعها وهو يوازن نفسه وتموقعه ليكون موقفه غير قابل للتوظيف من قبل أي كان، فهو كمن يقف بين خصمين او منزلتين يدرك أن ما يصدر عنه يعتمد ليوظف في اطار الصراع السياسي الراهن بين الرئيس وخصومه ولكنه في المقابل لا يستطيع -أو لا يمكنه - أن يقبل ان تكون خشيته من توظيف مواقفه عذرا للصمت على نزعة التفرد بالحكم التي يرى ان الرئيس ينتهجها.
هذا الحذر في التعاطي مع الامر مع الحرص على التحذير والدعوة الى التعقل والحوار، هو الخيار الراهن للاتحاد ويبدو انه سيستمر فيه الى ان تتغير المعادلة السياسية او تبرز تطورات جديدة تكشفها تركيبة الحكومة او المسودات الاولى للاصلاحات. وفي انتظار هذا سيظل الاتحاد يبحث عن اختراق محيط القصر للتاثير على الرئيس والتحاور معه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115