على واقع ومستقبل الحياة السياسية مستغلا في ذلك الزخم الشعبي الذي مازال يتمتع به وعدم وجود عراقيل جدية داخليا وخارجيا أمام مشروعه وانه أمام «نافذة تصويب» كما يقال مناسبة لتغير المعطيات بصفة جذرية لفائدته وانه لو تردد أسابيع أخرى قد يفقد هذه الفرصة الى الأبد ..
البداية كانت من سيدي بوزيد ثم كان التنظيم المؤقت( ؟) للسلط العمومية الذي أصدره بأمر رئاسي بعد يومين فقط تحت عنوان «تدابير استثنائية» والذي علّق فيه بصفة فعلية العمل بدستور 2014 خاصة في ما يتعلق بممارسة وصلاحيات واليات السلطتين التنفيذية والتشريعية واللتين استأثر فيهما بكل أدوات التشريع والتنفيذ معتبرا انه بات متعذرا على الشعب «التعبير عن إرادته وممارسة سيادته» في ظل «الأحكام الدستورية السارية» بما اقتضى تغليب «السيادة على الأحكام المتعلقة بممارستها» .
لقد واصل رئيس والدولة التسويق لفكرة أنه يشتغل داخل الدستور الحالي وتحديدا داخل الفصل 80 منه ولكن هذا «التنظيم للسلط العمومية» الذي لا يفصح عن اسمه وفصوله الثلاثة والعشرين هو الآن الدستور الفعلي للبلاد أما دستور 2014 فلا يصلح إلا لتكملة هذا الدستور الفعلي شريطة ألا يتعارض مع أحكامه ومقتضياته في انتظار إصدار دستور جديد تعده لجنة خبراء تحت إشراف رئيس الدولة سيعرض على الاستفتاء ليكون الإطار الدستوري الجديد للدولة التونسية .
في الخلاصة، تفعيل الفصل 80 بذلك التأويل المتوسع والمتعسف يوم 25 جويلية كان خطوة في طريق الخروج كلية عن قواعد اللعبة التي اصبح بها قيس سعيد رئيسا للجمهورية وهو الذي وفر بالنسبة له نافذة لإنجاز المشروع الذي يحلم به،كل المشروع دون التنازل للمختلفين وطنيا معه عن أي شيء لا في التصورات العامة ولا حتى في طرق التنفيذ والانجاز.
وبالطبع لا يمكن استكمال سياسة المرور بقوة هذه دون حكومة يكون ولاؤها مطلقا لصاحب قرطاج وتكون مهمتها الأساسية بداية التنفيذ العملي لمشروع مازالت أبعاده الأساسية لم تعلن بعد ولعلها ليست واضحة تمام الوضوح حتى عند أصحابها إلى حد الآن ، وكأننا ذلك الصوفي السالك الذي ترفع عنه الحجب كلما تقدم في الطريق إلى الله ..
والأكيد أن الخطوات القادمة ستكون في وضع الموالين لرئيس الدولة في أهم مفاصل الدولة وسلطات القرار وطنيا وجهويا ومحليا وعدم الاكتفاء هنا بسلسلة من التعيينات في الوظائف العليا بل في وضع شبكة جديدة من المسؤولين في مختلف أجهزة الدولة تكون مهمتها التنفيذ العملي للسياسات الجديدة التي سيعلنها تباعا رئيس الدولة.
السؤال الأساسي المطروح اليوم أمام قيس سعيد هو في طريقة التعامل مع الصعوبات والاحتجاجات والمعارضات التي ستغذيها حتما سياساته الجديدة.. هل سيعتمد على نوع من التشاركية الشكلية المحدودة في الزمان والمكان أم سيواصل السير على نفس المنهاج غير مكترث بكل الأجسام الوسيطة معتمدا فقط على ما يعتبره السند الشعبي لشخصه ولحكمه ولسياساته ؟
الإشكال الأساسي الذي سيعترض رئيس الجمهورية في الأسابيع القليلة القادمة هو تأكده من الضعف الشديد للقدرة التوزيعية للدولة وأنها لا تستطيع الاستجابة لهذا الكم الهائل من الانتظارات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وان المعارضات القادمة لن تكون من النخب والأجسام الوسطية التي لا يعيرها قيس سعيد كبير اهتمام بل من أوساط شعبية عديدة حلمت مع الرئيس وأفاقت على غد لا يختلف في شيء عن أمسها القاتم وعندها ستكون نقطة ضعف المنظومة الرئاسية الجديدة هي ما يبدو انه اليوم قوتها الرئيسية: سلطة قوية دون قدرة توزيعية تفتح أفقا جديدة لسائر المواطنين والنتيجة معروفة ومتوقعة: جنوح السلطة الجديدة إلى العنف قصد الاستمرار.
التاريخ لم يكتب بعد ومازال بالإمكان تجنب الأسوإ شريطة أن يقتنع رئيس الدولة بأن مستقبل البلاد لا يكتب ولا يفرض بيد واحدة ..
تلك هي المسألة.