- ولو بصورة ضمنية - أن هذه السياسات العمومية ليست جاهزة وأنها مازالت أفكارا عامة لا تسمح ببناء برنامج حكومة ..
«الشعب يريد ويعرف ماذا يريد» شعار يمكن أن تكون له جاذبية ما إذا بقي على مستوى الشعار أمّا عندما نريد أن نصوغ سياسات عمومية بناء عليه نتبيّن أننا إزاء شعار أجوف لا مضمون ملموس له ..
لا نعتقد أن رئيس الدولة قيس سعيد لا يملك أفكارا عامة حول ما يجب أن تكون عليه البلاد،ولكن ماهو المضمون الايجابي لهذه الأفكار وكيف يمكن تحويلها إلى برنامج عمل حكومي تلك هي المعضلة !
يبدو أن رئيس الدولة قد بنى تصوره على ثلاثة مسائل رئيسية:
- تونس دولة غنية ولكنها منهوبة ويكفي أن تكون لها حكومة أو سلطة نظيفة اليد وطنية حتى تمتلئ خزينة الدولة بأموال طائلة
- البرامج التنموية لا تأتى من مركز السلطة بل من القاعدة وخاصة من الشباب الذي يعرف ماذا يريد وما على السلطة المركزية إلا توفير الإطار القانوني وإيجاد الأموال اللازمة ليحقق الشباب ما يريد .
- وحدة الدولة (ممثلة في الرئيس) قادرة على صنع المعجزات : أيام التلقيح المكثف أنموذجا.
ما نرجحه أن تجربة هذه الأسابيع الأخيرة جعلت رئيس الدولة يدرك – على الأقل جزئيا – أن هذه الشعارات العامة لا تعكس بالضبط الواقع الفعلي للبلاد ..
لا أحد يجادل في وجود تهرب ضريبي وتهريب وأموال منهوبة بغير موجب حق، ولكن هل يجعل ذلك من تونس دولة غنية؟ قطعا لا ذلك أن ثراء بلاد يتأتى أساسا من القيمة المضافة التي تنتجها ومن تحسينها المطرد لإنتاجها وإنتاجيتها وارتقائها في سلم القيم وضخّ الذكاء في تعليمها وتكوينها وإنتاجها وحوكمتها ،وكل هذا يستوجب تصورا استراتيجيا استباقيا لما هو حقيقة الاقتصاد الوطني والإقليمي والدولي اليوم وآفاق تطوره خلال العقود القادمة.
أما الفعل التنموي حتى في تصوره التشاركي فإنه ينبع من الدولة كمكثف للوجود الجماعي لا من الأفراد أو الجماعات ،وفي بلد كتونس لا غنى لنا عن دولة مُخَطّطة ومستشرفة للمستقبل (un état stratège) وهذا يستوجب كذلك تفكيرا دقيقا وعميقا في كل منظوماتنا الإنتاجية والتربوية والتكوينية،وفي الملاءمة الضرورية بين تحرير كل قوى الإنتاج وبين التوازن في التنمية بين الفئات والجهات وبين الجنسين كذلك.
ثم إنّ الدولة – كالعائلة تماما – تخطط على المستويين المتوسط والبعيد ولكن لها أيضا قضايا ملحة عاجلة كتوفير حوالي 10 مليارات دينار لإغلاق ميزانية 2021 والبحث عن مختلف موارد تمويل ميزانية السنة القادمة وبداية التحكم في المديونية المفرطة وتسريع نسق النمو وجلب الاستثمارات الداخلية والخارجية والتشجيع على الانتصاب للحساب الخاص وصيانة كل الخدمات العمومية علاوة على الإصلاحات العاجلة – أيضا - حتى نخرج من نفق النمو الهش والحوكمة غير الرشيدة في مواردنا المادية والبشرية المحدودة بطبيعتها..
هل يملك رئيس الدولة تصورا عاما لجميع هذه المسائل ؟ أم يريد فقط أن يدخل بنا إلى مناطق بور لا ندري هل ستفضي بنا إلى جنات أرضية أم إلى صحراء قاحلة؟
حقيقة الأرقام والمعطيات المادية الصلبة عصية عن كل حلم وعن كل تصور، فالتونسيون يريدون حياة أفضل لهم ولأبنائهم وإمكانيات البلاد عاجزة اليوم عن توفير هذا الأفضل حتى في حدوده الدنيا وهذا ما يجعل من توضيح الطريق التي نريد أن نسلكها مسالة حيوية حتى تنكب كل الطاقات والكفاءات على إصلاح ما يمكن إصلاحه وعلى العمل الدؤوب والمضني لتوفير شروط الغد الأفضل ..
لو كان لرئيس الدولة مشروع يجيب عن كل هذه الأسئلة والتطلعات المشروعة فليعرضه على التونسيين بكل وضوح، وإذا لم يكن يمللك هذا فليقتصر على أدواره الدستورية كما وضحها دستور 2014 -وهي أدور هامة للغاية– وليعين رئيس حكومة كفء ومقتدر لديه رؤية إصلاحية واضحة ، فتونس لا يمكنها أن تكون حقل تجارب لمن لا يملك حلا لمشاكلها.
على هامش «حيرة» تشكيل الحكومة: هل يملك رئيس الدولة سياسات عمومية لتونس ؟ !
- بقلم زياد كريشان
- 11:55 17/09/2021
- 1384 عدد المشاهدات
لقد كتب علينا أن ننتظر خمسين يوما حتى ندرك أن الأساسي ليس في تشكيل حكومة جديدة بل في السياسات العمومية التي ينبغي تطبيقها،ولنعلم أيضا