ما لا تقوله أرقام وزارة الصحة بالدقة الكافية: الوضع الوبائي مازال خطيرا للغاية • أكثر من 100 وفاة هي المعدل اليومي للأسبوع الأخير • ضعف النسق اليومي للتلقيح رغم النجاح الكبير ليومي 8 و15 أوت • اقترابنا من السقف البلوري للعزوف عن التلقيح

«وحدها الحقيقة ثورية» هذا ما قاله لينين زعيم الثورة البلشفية منذ ما يزيد عن القرن، أي

أن الواقع الحقيقي لا يحتاج إلى مساحيق أو إلى عملية تجميل لكي نبرر به الضرورة التاريخية للثورة.
هذه المقولة تصدق اليوم على الطريقة التي تقدم بها وزارة الصحة هذه الأسابيع الأخيرة «الأرقام الرئيسية» للوضع الوبائي بتونس.
المثال الأبرز على ذلك أرقام الوفايات اليومية إذ بعد الرقم الكارثي ليوم 11 أوت الجاري (290 وفاة معلنة) أحجم موقع الوزارة عن تقديم هذا الرقم الذي تعودنا عليه منذ أشهر وهو الإعلان اليومي عن عدد الوفايات المبلغ عنها بغض النظر عن التاريخ الفعلي لكل وفاة - وهي الطريقة التي تعتمدها منظمة الصحة العالمية- وهي طريقة «مخاتلة» ومُجمّلة للواقع وهي الاكتفاء في «الأرقام الرئيسية» بعدد الوفايات المصرح بها ليوم ما وهكذا يتراوح هذا الرقم خلال هذا الأسبوع الأخير ما بين 17 و40 بينما العدد الحقيقي يتجاوز المائة يوميا (712 وفاة خلال هذا الأسبوع الأخير ) وذلك لاعتبار بسيط وهو أن جلّ الوفايات تبلغ بصفة رسمية إلى الوزارة بعد يوم أو أكثر (يتجاوز التبليغ أحيانا الأسبوع) بعد حدوثها.
والإشكال في هذه الطريقة علاوة على مخالفتها لطريقة احتساب منظمة الصحة العالمية هو تلك الطمأنينة الزائفة التي تخلقها في نفوس المتلقين ولكم أن تقارنوا بين رقم 25 وهو عدد الوفايات الحاصلة مبدئيا يوم 23 أوت الجاري ورقم 146( أي حوالي ستة أضعاف) وهو عدد الوفايات التي تم التصريح بها ليوم 23 أوت .
لسنا ندري من هو المسؤول عن تغيير طريقة الإعلان هذه في «الأرقام الرئيسية» ولكن الأكيد أننا أمام محاولة «تزيين» للأرقام بدلا من كشفها بالطريقة المطلوبة وأخطر ما في تزيين الأرقام هو تزييف وعي المواطنين الذين قد يعتقدون أن الوباء وراءنا بينما سيكون شهر أوت الجاري هو الشهر الثاني الأكثر كارثية منذ الجائحة إذ ستبلغ فيه الوفايات حوالي 3500 بعد أن تجاوزت 5000 وفاة في شهر جويلية .
لا يشك أحد في الجهود الجبارة التي تبذلها المنظومة الصحية خلال هذه الأسابيع الأخيرة وخاصة في التلاقيح المكثفة ليومي 8 و15 أوت ولكن المطلوب من الأرقام عكس الوضع الوبائي الفعلي لا الرغبة التفاؤلية المضللة.
لقد تمكنت تونس خلال يومين فقط (8 و15 أوت) من بلوغ 1.147.172 جرعة وهو رقم قياسي عالمي بالنظر لعدد السكان ولكن ماهي حقيقة وتيرة التلقيح اليومي خلال هذا الشهر الأخير (من 26 جويلية الى 24 أوت)؟
لو استثنينا يومي 8 و15 أوت نجد أننا أنجزنا 1243.721 جرعة أي بمعدل يومي يتجاوز بالكاد 40.000 جرعة يوميا والحال أن طموح الوزارة منذ أواسط جويلية الفارط كان اسداء 100.000 جرعة يوميا..نحن مازلنا بعيدين جدّا عن هذا الأفق وحتى لو أقحمنا هذين اليومين الاستثنائيين في الحساب سنجد أن معدل الشهر الأخير هو في حدود 90.000 جرعة يوميا ..
لاشك أن وضع التلقيح في بلادنا أفضل بكثير مما كان عليه خلال الفترة الماضية ولكننا لا نريد من الأيام الاستثنائية للتلقيح المكثف أن تكون كالشجرة التي تخفي الغابة، وأول هذه الغابة أن عدد المسجلين في منظومة ايفاكس لم يبلغ بعد نصف السكان وان الملقحين تماما هم في حدود %17.2 من مجموع المواطنين وان نسبة الذين تلقوا جرعة واحدة على الأقل لم تبلغ بعد %30 من مجموع السكان.
نحن لا نهوّن بالمرة من هذه النسب فهي هامة ولاشك وتعكس الجهد الكبير لمختلف أجهزة الدولة وخاصة وزارة الصحة للترفيع من نسق التلقيح ولكن مازال ينتظرنا الكثير خاصة وان نسبة العدوى مازالت مرتفعة (معدل نسبة التحاليل الايجابية في شهر أوت هو في حدود %22 ) وعدد المرضى الخاضعين للعناية المركزة لم ينخفض بالشكل المطلوب (آخر التحيينات تفيد بوجود 2807 من مرضى الكوفيد في المستشفيات والمصحات الخاصة منهم 542 بأقسام الإنعاش والعناية المركزة و125 تحت التنفس الاصطناعي ) .
ولكن ما ينبغي الالتفات إليه بكل جدية حالة عزوف جزء هام من التونسيين عن التلقيح بداية بحوالي 4 ملايين معنيين بالتلقيح (المواطنون الذين تتجاوز أعمارهم 18 سنة) ولم يسجلوا بعد في منظومة ايفاكس ثم في هذه النسبة المخيفة (حوالي %40) من الذين يدعون إلى التلقيح وهم مسجلون ولكنهم لا يذهبون إلى مراكز التلقيح.
كل هذا دون الحديث عن احتمال ضرورة الجرعة الثالثة للملقحين تماما بعد أشهر قليلة والجهد الإضافي الذي ينبغي أن يدخل على امتداد الأشهر القادمة في توفير التلاقيح وإقناع كل التونسيين بضرورة التلقيح ومواصلة احترام البروتوكولات الصحية حتى نتحكم بصفة نهائية في هذه الجائحة وتعود بلادنا إلى حياة عادية فعلية دون مخاطر صحية تذكر ..
نحن ولاشك في الطريق الصحيح ولكننا نطالب مصالح وزارة الصحة بأن تعاملنا كمواطنين راشدين لا كقصّر ينبغي أن تخفى عنهم الأخبار غير السارة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115