ويحدّق الجميع في تلك الصور الصادمة: هرولة الجموع وراء طائرات «الأجنبي» /المخلّص، وتدافُع المراهقين والشبّان والكهول والشيوخ باتّجاه الحدود علّهم يعبرون إلى بلدان الجوار. ويتساءل المشاهدون عن الأسباب التي تجعل الأفغانيين يؤثرون الرحيل على الاستقرار في بلد يتأسلم فلا يوفّر الأمان. غير أنّ الموضوع الذي يستأثر باهتمام الرأي العامّ العالمي هو وضع الأفغانيات اللواتي استطعن، على امتداد السنوات الأخيرة، انتزاع مجموعة من الحقوق لعلّ أهمّها الحق في التعليم والحق في العمل والحق في الصحة.ولكنّهنّ اليوم بتن مهدّدات بالرجوع إلى البيوت والخضوع للأوامر الصادرة عن قيادات طالبان بل إنّهنّ معرّضات لأشكال من العنف.
ويزداد هلع الناشطات الحقوقيات وصانعات السلام وغيرهنّ من الفاعلات في كافة المجالات الفنيّة والطبية والعلمية وغيرها فتجزم هؤلاء أنّ نهايتهن ستكون على أيادي من أقاموا في باكستان ودرسوا في المدارس القرآنية وغيرهم من الراغبين في الانتقام من نساء رفعن الأصوات و«استقوين بـ«الكفار» من أجل التمكين. ومادامت القيادات الكارهة للنساء تستهدف الفتيات والنساء ونظام طالبان يعادي حقوق النساء فلا أمل يرجى إذ تمكّن التنظيم من الاستحواذ على السلطة بكلّ يسر بعد أن صدرت الأوامر للجيش بعدم المقاومة.
وتتضاعف مخاوف الناشطات الحقوقيات بعد أن أعلن التنظيم عن نيّته في إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وهنا تُستحضر تجارب «الدول الإسلامية» السابقة في باكستان وإيران والسودان وغيرها فكلّما تأسلم نظام الحكم تغيّرت مواقع النساء وأهدرت دماء الفتيات والنساء وانتهكت حقوقهنّ وجعلت الناجيات يواجهن الصدمات ولا يستطعن نسيان أشكال العنف الذي سُلّط عليهنّ.
وبالرغم من «خطاب الطمأنة» وتأكيد قيادات طالبان على حماية حقوق النساء فإنّ الناشطات يفنّدن مزاعم هؤلاء ويشرن إلى رفض القيادات تشريك الأفغانيات في المفاوضات التي جرت في قطر ، والحال أنّ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325،ينصّ على مشاركة المرأة في عمليات صنع القرار والعمليات السلمية. وما اللجوء إلى تطبيق الشريعة، في نظر الأفغانيات، إلاّ تكريس لهيمنة الرجال على النساء وفرض الرقابة على أجسادهن والتحكم في مصائرهن.وليس الانطلاق في خطف المراهقات والتزوج بهنّ على الفور وإلزام النساء باللباس «الشرعي» وحجب صور الفنّانات من واجهات المحلات وقتل بعض الفنانين والكتاب وغيرها من الممارسات إلاّ علامة دالة على الشروع في التشفّي من الذين خالفوا تعاليم الإسلام.
تخسر الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، الحرب مثلما خسرت الحرب على فياتنام ولكن ما هي الدروس التي يمكن للعرب/المسلمين/ات استخلاصها؟
أوّلها: إفراغ الخطاب الحقوقي من معناه واتّساع الفجوة بين الخطاب الحقوقي الأممي وترسانة النصوص القانونية وبين ما يجري على أرض الواقع من حسابات تفرض على الدول «العظمى» مخالفة المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية والتنكّر لما تعد به والتخلّي عن المجموعات التي ساعدتها على تحقيق مصالحها. فأنّى لمن سلّم أفغانستان إلى طالبان أن يُلزم الدول الأخرى باحترام الحقوق والمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات ؟ وهو أمر يجعل «التابع» يعيد النظر في حساباته وفي مفهوم السيادة الوطنية ... وثانيها: انتفاء الثقة في خطابات «حماة الديمقراطية» و«النسويات البيضاوات» اللواتي أردن تحرير النساء في العالم ، وثالثها عدم التعويل على المنظمات الداعمة والجهات المموّلة للمجتمع المدني فحين تحضر المصلحة ينقطع حبل الودّ، ورابعها أنّ التمكين النسائي قد وضع اليوم تحت الاختبار إذ احتجّت مجموعة من الناشطات أمام «القيادات» مطالبات بحماية حقوقهن، وفي هذه الحركة الرمزية ما يثبت أنّ طريقة فهم الفتيات والنساء في كل بلدان العالم للسياسة وإدارة الحكم والمؤسسات وبناء العلاقات الدولية وصياغة السياسات مختلفة عن التدبير السياسي الذكوري. ولذلك تنطلق الدعوات المناصرة للأفغانيات لأنّ حياتهنّ مهمّة فهنّ صانعات المستقبل.